نسب أمية بن أبي الصلت
  عظمائهم(١) - أن يخرج معه فينصره. فخرج أرياط في سبعين ألفا من الحبشة، وقوّد على جنده قوّادا من رؤسائهم، وأقبل بفيله، وكان معه أبرهة بن الصباح. وكان في عهد ملك الحبشة إلى أرياط: / إذا دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها، وخرب ثلث بلادها، وابعث إليّ بثلث نسائها.
  فخرج أرياط في الجنود فحملهم في السفن في البحر، وعبر بهم حتى ورد اليمن، وقد قدّم مقدمات الحبشة، فرأى أهل اليمن جندا كثيرا، فلما تلاحقوا قام أرياط في جنده خطيبا فقال: يا معشر الحبشة، قد علمتم أنكم لن ترجعوا إلى بلادكم أبدا، هذا البحر بين أيديكم إن دخلتموه غرقتم، وإن سلكتم البرّ هلكتم، واتخذتكم العرب عبيدا، وليس لكم إلَّا الصبر حتى تموتوا أو تقتلوا عدوّكم.
  انتصار أرياط على ذي نواس
  فجمع ذو نواس جمعا كثيرا، ثم سار إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الدولة للحبشة، فظفر أرياط، وقتل أصحاب ذي نواس، وانهزموا في كل وجه. فلما تخوّف ذو نواس أن سيؤسر ركض فرسه، واستعرض به البحر، وقال: الموت بالبحر أحسن من إسار أسود، ثم أقحم فرسه لجّة البحر، فمضى به فرسه، وكان آخر العهد به.
  / ثم خرج إليهم ذو جدن الهمدانيّ في قومه، فناوشهم، وتفرّقت عنه همدان، فلما تخوّف على نفسه قال:
  ما الأمر إلَّا ما صنع ذو نواس، فأقحم فرسه البحر، فكان آخر العهد به.
  ودخل أرياط اليمن، فقتل ثلثا، وبعث ثلث السبي إلى ملك الحبشة، وخرب ثلثا، وملك اليمن، وقتل أهلها، وهدم حصونها، وكانت تلك الحصون بنتها الشياطين في عهد سليمان لبلقيس، واسمها بلقمة، وكان مما خرب من حصونهم: سلحون، وبينون، وغمدان، حصونا لم ير مثلها. فقال الحميريّ(٢)، وهو بذكر ما دخل على حمير من الذلّ:
  هونك أين تردّ العين ما فاتا ... لا تهلكن أسفا في إثر من فاتا
  أبعد بينون لا عين ولا أثر ... وبعد سلحون يبني الناس أبياتا!
  قال: فلما ظفر أرياط أخذ الأموال، وأظهر العطاء في أهل الشرف، فغضبت الحبشة حين أعطى أشرافهم، وترك أهل الفقر منهم، واستذلَّهم وأجاعهم وأعراهم وأتعبهم في العمل، وكلَّفهم ما لا يطيقون، فجزع من ذلك الفقراء، وشكا ذلك بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما نرانا إلَّا أذلَّة أشقياء أينما كنّا، إن كان قتال قدّمنا في نحور العدوّ، وإن كان قتل قتلنا، وإن كان عمل فعلينا، والبلايا علينا، والعطايا لغيرنا، مع ما يقصينا ويجفونا.
(١) أ: «أمر إرياط عظيما».
(٢) هو ذو جدن الحميري؛ كما في البلدان (بينون)، والبيتان مع آخر هناك، والرواية فيه:
لا تهلكن جزعا في إثر من ماتا ... فإنه لا يرد الدهر ما فاتا
وفي أ، ج: ... في إثر ما فاتا»، والشعر في الطبري ٢: ١٢٥، وفيه: ... يرد الدمع ... لا تهلكي»، وفي «ياقوت».
(سلحين):
يا خلتي ما يرد الدمع ما فاتا ... لا تهلكي أسفا في إثر من فاتا