نسب أمية بن أبي الصلت
  أبرهة يقتل أرياط ويتولى ملك اليمن
  فلما رأى أبرهة أنّ أرياط قد أفلت عنه، وهو ينظر يمينا وشمالا؛ لئلَّا تراه ملوك الحبشة، استلّ خنجره فطعنه طعنة في فرج درعه فأثبته(١)، وخرّ أرياط على قفاه، وقعد أبرهة على صدره فأجهز عليه. فسمى أبرهة الأشرم بتلك الضّربة التي شرمت وجهه وأنفه.
  فملك أبرهة عشرين سنة، ثم ملك بعد أبرهة ابنه يكسوم، ثم أخوه مسروق بن أبرهة، وأمه ريحانة امرأة ذي يزن أمّ سيف بن ذي يزن الحميريّ.
  سيف بن ذي يزن يسعى لتخليص اليمن من حكم الحبشة
  [فلما طال على أهل اليمن البلاء مشوا إلى سيف بن ذي يزن الحميريّ](٢) فكلَّموه في الخروج، وقالوا إنّا نجد فيما روت حمير(٣) عن خبر لسطيح أنه يوشك أنّ هذا البلاء يفرج بيد رجل من أهل بيتك ابن ذي يزن، وقد رجونا أن ندرك بثأرنا، فأنعم لهم. فخرج إلى قيصر ملك الروم، فكلَّمه أن ينصره على الحبشة، فأبى، وقال:
  الحبشة على ديني ودين أهل مملكتي، وأنتم على دين يهود، فخرج من عنده يائسا.
  النعمان يصحب سيفا إلى كسرى
  فخرج عامدا إلى كسرى، فانتهى إلى النعمان بن المنذر بالحيرة فدخل عليه، فأخبره بما لقي قومه من الحبشة، فقال: أقم؛ فإنّ لي على الملك كسرى إذنا في كلّ سنة، وقد حان ذلك.
  فلما خرج أخرج معه سيف بن ذي يزن فأدخله على كسرى، فقال: غلبنا على بلادنا، وغلب الأحابيش علينا، وأنا أقرب إليك منهم، لأني أبيض وأنت أبيض، وهم سودان. فقال: بلادك بلاد بعيدة، ولا أبعث معك جيشا في غير منفعة، ولا أمر أخافه على ملكي.
  فلما أيأسه من النّصر أمر له بعشرة آلاف درهم واف، وكساه كسا.
  فلما خرج بها من باب / كسرى نثرها بين الصّبيان والعبيد، فرأى ذلك أصحاب كسرى، فقالوا ذلك له؛ فأرسل إليه: لم صنعت بجائزة الملك؟ تنثرها للصّبيان والناس؟ فقال سيف: وما أعطاني الملك! جبال أرضى ذهب وفضّة، جئت إلى الملك ليمنعني من الظَّلم، ولم آته ليعطيني الدراهم، ولو أردت الدراهم كان ذلك في بلدي كثيرا.
  فقال كسرى: أنظر في أمرك. فخرج سيف على طمع، وأقام عنده / فجعل سيف كلما ركب كسرى عرض له، فجمع له كسرى مرازبنه، وقال: ما ترون في هذا العربيّ، وقد رأيته رجلا جلدا؟ فقال قائل منهم: إن في السجون قوما قد سجنهم الملك في موجدة عليهم، فلو بعثهم الملك معه فإن قتلوا استراح منهم، وإن ظفروا بما يريد هذا العربيّ فهو زيادة في ملك الملك. فقال كسرى: هذا الرأي.
(١) أثبته: جعله لا يقدر على الحراك. ورواية «الطبري» أن الذي طعنه غلام أكمنه أبرهة.
(٢) تكملة من المختار.
(٣) كذا في أ، ما وفي ب، س، ج، م: «في هاروت»، تصحيف.