نسب أمية بن أبي الصلت
  كسرى يعين سيفا بجيش يقوده وهرز
  وأمر بهم كسرى فأحضروا فوجد ثمانمائة رجل، فولَّى أمرهم رجلا معهم يقال له وهرز، وكان راميا شجاعا مع مكانة في الفرس، وجهّزهم، وأعطاهم سلاحا، وحملهم في البحر في ثماني سفن، فغرقت سفينتان، وبقي من بقي وهم ستمائة رجل؛ فأرسوا إلى ساحل عدن، فلما أرسوا قال وهرز لسيف: ما عندك، فقد جئنا بلادك؟ فقال:
  ما شئت من رجل عربيّ وفرس(١) عربي، ثم اجعل رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا.
  قال وهرز: أنصفت. فاستجلب سيف من استطاع من اليمن، ثم زحفوا إلى مسروق بن أبرهة، وقد سمع بهم مسروق وبتعبيتهم، فجمع إليه جنده من الحبشة، وسار إليهم، والتقى العسكران، وجعلت أمداد اليمن تثوب إلى سيف، وبعث وهرز ابنا له كان معه على جريدة خيل، فقال: ناوشوهم القتال، حتى ننظر قتالهم، فناوشهم ابنه، وناوشوه شيئا من قتال، ثم تورّط ابّنه في هلكة لم يستطع التخلَّص منها؛ فاشتملوا عليه فقتلوه، فازداد وهرز عليهم حنقا. وسيء العرب، وفرحت الحبشة، فأظهروا الصليب، فوتّر وهرز قوسه، وكان لا يقدر أن يوتّرها غيره.
  وهرز يقتل مسروقا
  وقال وهرز والناس في صفوفهم: انظروا أين ترون ملكهم؟ قال سيف(٢): أرى رجلا قاعدا على فيل تاجه على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء. قال: ذلك ملكهم. وقال وهرز: اتركوه. / ثم وقف طويلا، ثم قال: انظروا هل تحوّل؟ قالوا: قد تحوّل على فرس. قال: هذا منه اختلاط. ثم وقف طويلا، وقال: انظروا هل تحوّل؟ قالوا:
  قد تحول على بغلة، فقال: ابنة الحمار، ذلّ الأسود وذلّ ملكه، ثم قال لأصحابه: نقتله(٣) في هذه الرّمية، تأمّلوا النشّابة، وأخذ النشّابة وجعل فوقها في الوتر، ثم نزع فيها حتى ملأها، وكان أيّدا(٤)، ثم أرسلها فصكَّت الياقوتة التي بين عيني ملكهم مسروق، فتغلغلت النشّابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، وحملت عليهم الفرس، فانهزمت الحبشة في كل وجه، وجعلت حمير تقتل من أدركوا منهم، وتجهز على جريحهم.
  وهرز يدخل صنعاء ويملك اليمن
  وأقبل وهرز يريد أن يدخل صنعاء، وكان موضعهم الذي التقوا فيه خارج صنعاء، وكان اسم صنعاء: أزال(٥)، فلما قدمت الحبشة بنوها وأحكموها، فقالت: صنعة؛ فسميت صنعاء، وكانت صنعاء مدينة لها باب صغير يدخل منه، فلما دنا وهرز من باب المدينة رآه صغيرا، فقال: لا تدخل رايتي منكَّسة، اهدموا الباب، فهدم باب صنعاء، ودخل ناصبا رايته وسير بها بين يديه. فقال سيف بن / ذي يزن: ذهب ملك حمير آخر الدهر، لا يرجع إليهم أبدا.
  فملك وهرز اليمن، وقهر الحبشة، وكتب إلى كسرى يخبره: إني قد ملكت للملك اليمن، وهي أرض العرب القديمة التي تكون فيها ملوكهم، وبعث بجوهر، وعنبر، ومال، وعود، وزباد(٦)، وهو جلود لها رائحة طيّبة.
(١) المثبت في أ، م، ح، وفي ب، س: «قوس»، تصحيف.
(٢) في «ما» ما يفيد أن سيف بن ذي يزن هو الذي سأل.
(٣) المثبت في أ، م، وفي ب، س، ج: «قتلته».
(٤) أيّدا: قويّا.
(٥) ب، س: «إيال»، والمثبت من «ما» وهو يوافق ما في معجم البلدان عن الزجاجي.
(٦) الزباد: طيب يجلب من دابة كالسنور يقال لها: قط الزباد.