خبر الحطيئة ونسبه
  فقلت له: أليس هذا للحطيئة؟ فقال: بلى، وأنا صاحبه من الجن.
  أنشد ابن شبرمة من شعره وقال هو من جيد الشعر
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:
  قال ابن عيينة: سمعت ابن شبرمة يقول: أنا واللَّه أعلم بجيّد الشعر، لقد أحسن الحطيئة حيث يقول:
  أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
  وإن كانت النّعماء فيهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولا كدّوا
  وإن قال مولاهم على جلّ حادث ... من الدهر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا
  قال: وقال الأصمعيّ وقد سأله أبو عدنان عن هذا البيت: ما واحد البنى، قال: بنية؛ فقال له: / أتجمع فعلة على فعل؟ قال: نعم مثل رشوة ورشى وحبوة وحبى(١).
  نزل على بني مقلد بن يربوع فأحسنوا جواره ومدحهم
  حدّثنا أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني محمد بن أحمد بن صدقة الأنباريّ قال حدّثنا ابن الأعرابيّ عن المفضّل:
  أن الحطيئة أقحمته السنة(٢)، فنزل ببني مقلَّد بن يربوع، فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: إن هذا الرجل لا يسلم أحد من لسانه، فتعالوا حتى نسأله عما يحبّ فنفعله(٣) وعما يكره فنجتنبه؛ فأتوه فقالوا له: يا أبا مليكة، إنك اخترتنا على سائر العرب / ووجب حقّك علينا، فمرنا بما تحبّ أن نفعله وبما تحب أن ننتهي عنه؛ فقال:
  لا تكثروا زيارتي فتملَّوني، ولا تقطعوها فتوحشوني، ولا تجعلوا فناء بيتي مجلسا لكم، ولا تسمعوا بناتي غناء شبّانكم، فإن الغناء رقية الزنا. قال: فأقام عندهم. وجمع كلّ رجل منهم ولده وقال: أمّكم الطلاق، لئن تغنّى أحد منكم والحطيئة مقيم بين أظهرنا لأضربنّه ضربة بسيفي أخذت منه ما أخذت. فلم يزل مقيما فيما يرضى حتى انجلت عنه السّنة، فارتحل وهو يقول:
  جاورت آل مقلَّد فحمدتهم ... إذ ليس كلّ(٤) أخي جوار يحمد
  أيام(٥) من يرد الصنيعة يصطنع ... فينا ومن يرد الزّهادة يزهد(٦)
(١) الذي ورد في «كتب اللغة» بنية بالكسر وبنية بالضم، وورد في جمعهما بنى بالكسر وبنى بالضم. وأنشد الفارسي بيت الحطيئة على ضم الباء في قوله «أحسنوا البنى». قال صاحب «اللسان»: ويروى «أحسنوا البنى» أي بالكسر. والرشوة أيضا جاءت بتثليث الراء وجمعت على «رشي» بضم الراء و «رشي» بكسرها، وكذلك الحبوة بمعنى الثوب الذي يحتبي به رويت بكسر الحاء وضمها وجمعت على حبي بالكسر وحبي بالضم.
(٢) أقحمته: أوقعته في شدة ومشقة. والسنة: الجدب.
(٣) كذا في ط. وفي سائر النسخ: «فنفعله به».
(٤) كذا في أغلب الأصول. وفي «الديوان»، أ، ء، ط: «إذا لا يكاد أخو».
(٥) في ط: «أزمان».
(٦) القافية تقتضي رفع يزهد، ووقوعه جوابا للشرط يقتضي جزمه. ولكن رفع المضارع الواقع جوابا بفعل شرط مضارع يجوز ولو في غير الضرورة وإن كان خلاف الأفصح. وفي ط: «يزهد» بكسر الدال وهو اللغة الفصيحة وإن كان عليها قد دخله الإقواء وهو اختلاف حركة الرويّ رفعا وجرا.