خبر الحطيئة ونسبه
  قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوّي بأنف الناقة الذنبا
  فصار بعد ذلك فخرا لهم ومدحا، وكانوا ينازعون الزّبرقان الشرف - يعني بغيضا وإخوته وأهله - وكانوا أشرف من الزّبرقان، إلا أنه قد كان استعلاهم بنفسه. وقال أبو عبيدة في خبره: كان الحطيئة دميما سيّء(١) الخلق، لا تأخذه العين، ومعه عيال كذلك. فلما رأت أمّ شذرة حاله هان عليها وقصّرت(٢) به، ونظر بغيض وبنو أنف الناقة إلى ما تصنع به أمّ شذرة، فأرسلوا إليه: أن ائتنا، فأبى عليهم وقال: إن من شأن النساء التقصير والغفلة، ولست بالذي أحمل على صاحبها ذنبها. فلما ألحّ عليه بنو أنف الناقة، وكان رسولهم إليه شمّاس بن لأي وعلقمة بن هوذة وبغيض بن شمّاس والمخبّل الشاعر، قال لهم: لست بحامل على الرجل ذنب غيره، فإن تركت وجفيت تحوّلت إليكم؛ فأطمعوه ووعدوه وعدا عظيما. وقال ابن سلَّام في خبره: فلما لم يجبهم دسّوا إلى هنيدة زوجة الزّبرقان أنّ الزبرقان إنما يريد أن يتزوّج ابنته مليكة؛ وكانت جميلة كاملة، فظهرت من المرأة للحطيئة جفوة وهي في ذاك تداريه. / ثم أرادوا النّجعة(٣)، قال أبو عبيدة: فقالت له أمّ شذرة - وقال ابن سلَّام: فقالت له هنيدة -: قد حضرت النّجعة فاركب أنت وأهلك هذا الظَّهر إلى مكان كذا وكذا، ثم اردده إلينا حتى نلحقك فإنه لا يسعنا جميعا؛ فأرسل إليها: بل تقدّمي أنت فأنت أحقّ بذلك؛ ففعلت وتثاقلت عن ردّها(٤) إليه وتركته يومين أو ثلاثة، وألحّ بنو أنف الناقة عليه وقالوا له: قد تركت بمضيعة. وكان أشدّهم في ذلك قولا بغيض بن شمّاس وعلقمة بن هوذة، وكان الزّبرقان قد قال في علقمة:
  لي ابن عمّ لا يزا ... ل يعيبني ويعين(٥) عائب
  وأعينه في النائبا ... ت ولا يعين على النوائب
  تسري عقاربه إل ... ى ولا تدبّ له عقارب
  لاه(٦) ابن عمّك لا يخا ... ف المحزنات من العواقب
  قال: فكان علقمة ممتلئا غيظا عليه. فلما ألحّوا على الحطيئة أجابهم وقال(٧): أما الآن فنعم، أنا صائر معكم. فتحمّل معهم، فضربوا له قبّة، وربطوا بكلّ طنب من أطنابها جلَّة(٨) هجريّة،
(١) في ط: «شنئ الخلق» ولعله فعيل بمعنى مفعول من شنئ الرجل (بالبناء للمفعول) إذا أبغض. ولم نجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بين أيدينا أو لعله تحريف عن «مشيأ الخلق» والمشيأ: المختلف الخلق المخبله القبيح.
(٢) قصرت به: لم تكرمه ولم تبلغ ما يرضيه.
(٣) النجعة: طلب الكلأ في موضعه.
(٤) كذا في جميع النسخ ولعله: «رده». أو أنه أنث الضمير باعتبار أن مرجعه الدابة وهي تقع على المذكر والمؤنث قال اللَّه تعالى {وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى أللهِ رِزْقُها}.
(٥) كذا في ط وفي سائر الأصول «ويعيب» وعائب على هذه النسخة بمعنى ذي عيب يقال: عاب الشيء عيبا: صار ذا عيب.
(٦) لاه: بمعنى للَّه، ومثله قول ذي الأصبع العدوانيّ:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخروني
(٧) كذا في ط وهي أنسب. وفي سائر النسخ: «فقال».
(٨) في «اللسان»: «الجلة: وعاء يتخذ من الخوص يوضع فيه التمر يكنز فيها». وقال في مادة «وزن»: «والوزن: الفدرة من التمر لا يكاد الرجل يرفعها بين يديه تكون ثلث الجلة من جلال هجر». وفي ط: «حلة» ولعلها تصحيف «جلة». وفي باقي الأصول: «قلة» والسياق لا يساعد على تصويبه.