خبر الحطيئة ونسبه
  / وأراحوا(١) عليه إبلهم، وأكثروا له من التمر واللبن، وأعطوه / لقاحا(٢) وكسوة. قال: فلمّا قدم الزّبرقان سأل عنه فأخبر بقصّته، فنادى في بني بهدلة بن عرف، وهم لأمّ دون قريع، أمّهم السّفعاء بنت غنم بن قتيبة من باهلة. فركب الزبرقان فرسه، وأخذ رمحه، وسار حتى وقف على نادي بني شمّاس القريعيّين، فقال: ردّوا عليّ جاري؛ فقالوا:
  ما هو لك بجار وقد اطَّرحته وضيّعته؛ فألمّ(٣) أن يكون بين الحيّين حرب، فحضرهم(٤) أهل الحجا من قومهم، فلاموا بغيضا وقالوا: أردد على الرجل جاره؛ فقال: لست مخرجه وقد آويته، وهو رجل حرّ مالك لأمره، فخيّروه فإن اختارني لم أخرجه، وإن اختاره لم أكرهه. فخيّروا الحطيئة فاختار بغيضا ورهطه؛ فجاء الزبرقان ووقف عليه وقال له: أبا ملكية، أفارقت جواري عن سخط وذمّ؟ قال: لا؛ فانصرف وتركه. هذه رواية ابن سلَّام، وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أنه كان بين الزّبرقان ومن معه من القريعيّين تلاح(٥) وتشاحّ. وزعم غيرهما أن الزبرقان استعدى عمر بن الخطَّاب على بغيض، فحكم عمر بأن يخرج الحطيئة حتى يقام في موضع خال بين الحيّين وحده ويخلَّى سبيله، ويكون جار أيّهما اختار؛ ففعل ذلك به، فاختار القريعيّين. قال: وجعل الحطيئة يمدحهم من غير أن يهجو الزّبرقان، وهم يحضّونه على ذلك ويحرّضونه فيأبى ويقول: لا ذنب للرجل عندي؛ حتى أرسل الزبرقان إلى رجل من النّمر بن قاسط يقال له دثار بن شيبان، فهجا بغيضا فقال:
  أرى إبلي بجوف الماء حلَّت ... وأعوزها به الماء الرّواء
  وقد وردت مياه بني قريع ... فما وصلوا القرابة مذ أساؤا
  / تحلأ(٦) يوم ورد الناس إبلي ... وتصدر وهي محنقة(٧) ظماء
  ألم أك جار شمّاس بن لأي ... فأسلمني وقد نزل البلاء
  فقلت تحوّلي يا أمّ بكر ... إلى حيث المكارم والعلاء
  وجدنا بيت بهدلة بن عوف ... تعالى سمكه ودجا(٨) الفناء(٩)
  وما أضحى لشمّاس بن لأي ... قديم في الفعال(١٠) ولا رباء(١١)
  سوى أن الحطيئة قال قولا ... فهذا من مقالته جزاء
(١) إراحة الإبل: ردّها في العشيّ.
(٢) اللقاح: جمع لقوح وهي الناقة الحلوب.
(٣) ألم: قرب، يقال: ألم أن يذهب بصره أي قرب أن يذهب. ومنه الحديث: «وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم» قال أبو عبيد: معناه أو يقرب من القتل.
(٤) كذا في ط. وفي باقي الأصول: «فحضر أهل الحجا ...».
(٥) تلاح: تنازع.
(٦) كذا في ح. وتحلَّا: تمنع، يقال: حلأه عن الماء تحليئا وتحلئة طرده ومنعه. وفي باقي النسخ: «تخلى» وهو تحريف.
(٧) محنقة: ضامرة.
(٨) وردت دحا بمعنى بسط ووسّع، ولم تجيء في «كتب اللغة» التي بين أيدينا لازمة إلا في قولهم: دحا البطن أي عظم واسترسل إلى أسفل، فيصح أن يكون قوله «دحا الفناء» هنا بمعنى عظم واتسع. أو لعلها دجا (بالجيم المعجمة) بمعنى سبغ أي طال واتسع.
(٩) فناء، الدار: ما اتسع من أمامها.
(١٠) الفعال بالفتح: اسم للفعل الحسن من الجود والكرم ونحوه.
(١١) الرباء بالفتح: الطول والمنة والفضل.