أخبار حاتم ونسبه
  غنينا زمانا بالتّصعلك والغنى ... وكلَّا سقاناه بكأسهما العصر(١)
  فما زادنا بغيا على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
  وما ضرّ جارا يابنة القوم فاعلمي ... يجاورني ألَّا يكون له ستر(٢)
  بعيني عن جارات قومي غفلة ... وفي السّمع منّي عن حديثهم وقر
  فلما فرغ حاتم من إنشاده دعت بالغداء، وكانت قد أمرت إماءها أن يقدّمن إلى كل رجل منهم ما كان أطعمها، فقدّمن إليهم ما كانت أمرتهنّ أن يقدمنه إليهم، فنكَّس النّبيتيّ رأسه والنابغة، فلما نظر حاتم إلى ذلك رمى بالذي قدّم إليهما(٣)، وأطعمهما مما قدم إليه، فتسللا لواذا، وقالت: إنّ حاتما أكرمكم وأشعركم.
  فلما خرج النّبيتيّ والنابغة قالت لحاتم: / خلّ سبيل امرأتك، فأبى، فزوّدته وردّته. فلما انصرف دعته نفسه إليها، وماتت امرأته، فخطبها فتزوّجته، فولدت عديّا.
  إسلام عدي بن حاتم
  وقد كان عديّ أسلم وحسن إسلامه، فبلغنا إنّ النبي ﷺ قال له، وقد سأله عديّ: يا رسول اللَّه، إن أبي كان يعطي ويحمل، ويوفي بالذّمّة، ويأمر بمكارم الأخلاق؛ فقال له رسول اللَّه ﷺ: إنّ أباك خشبة من خشبات جهنّم.
  فكأن النبيّ ﷺ رأى الكآبة في وجهه، فقال له: يا عديّ إنّ أباك وأبي وأبا إبراهيم في النار.
  ماوية وحاتم وابن عمه مالك
  وكانت ماوية عنده زمانا، وإن ابن عمّ لحاتم كان يقال له: مالك قال لها: ما تصنعين بحاتم؟ فو اللَّه لئن وجد شيئا ليتلفّنه، وإن لم يجد ليتكلفنّ، وإن مات ليتركنّ ولده عيالا على قومك، فقالت ماوية: صدقت، إنه كذلك.
  وكان النساء - أو بعضهنّ - يطلَّقن الرجال في الجاهلية، وكان طلاقهن أنهن إن كنّ في بيت من شعر حوّلن الخباء؛ فإن كان بابه قبل المشرق حوّلنه قبل المغرب، وإن كان بابه قبل اليمن حوّلنه قبل الشام؛ فإذا رأى ذلك الرجل علم أنها قد طلقته فلم يأتها. وإن ابن عم حاتم قال لماوية - وكانت أحسن نساء الناس -: طلَّقي حاتما، وأنا أنكحك وأنا خير لك منه، وأكثر مالا، وأنا أمسك عليك وعلى ولدك؛ فلم يزل بها حتى طلَّقت حاتما، فأتاها حاتم وقد حوّلت باب الخباء، فقال: يا عديّ، ما ترى أمّك عدي(٤) عليها؟ قال: لا أدري، غير أنها قد غيّرت باب الخباء، وكأنه لم يلحن(٥) لما / قال، فدعاه فهبط به بطن واد، وجاء قوم فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون، فتوافوا خمسين رجلا، فضاقت بهم ماوية ذرعا، وقالت لجاريتها: اذهبي إلى مالك فقولي له: إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا خمسين رجلا فأرسل بناب(٦) نقرهم ولبن نغبقهم(٧)، وقالت لجاريتها: انظري إلى جبينه وفمه فإن
(١) ب، س: «عنينا». وفي الديوان:
عنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... كما الدّهر في أيّامه العسر واليسر
لبسنا صروف الدّهر لينا وغلظة ... وكلَّا سقاناه بكأسهما العصر
(٢) البيت ليس في ديوانه، وكذا ما بعده.
(٣) ف: «بالذي قدمته إليها».
(٤) ف: «عدا».
(٥) لم يلحن: لم يفطن.
(٦) الناب: الناقة المسنة.
(٧) الغبوق: ما يشرب بالعشي. وغبقه: سقاه ذلك.