كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حاتم ونسبه

صفحة 248 - الجزء 17

  شافهك⁣(⁣١) بالمعروف فاقبلي منه، وإن ضرب بلحيته على زوره، وأدخل يده في رأسه فاقفلي ودعيه، وإنها لما أتت مالكا وجدته متوسّدا وطبا⁣(⁣٢) من لبن وتحت بطنه آخر، فأيقظته فأدخل يده في رأسه وضرب بلحيته على زوره، فأبلغته ما أرسلتها به ماوية، وقالت: إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكانه.

  فقال لها: اقرئي &، وقولي لها: هذا الذي أمرتك أن تطلَّقي حاتما فيه، فما عندي من كبيرة قد تركت العمل، وما كنت لأنحر صفيّة⁣(⁣٣) غزيرة بشحم كلاها، وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم.

  فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت منه، وما قال؛ فقالت: ائت حاتما فقولي: إن أضيافك قد نزلوا الليلة بنا، ولم يعلموا بمكانك. فأرسل إلينا بناب ننحرها ونقرهم وبلبن نسقهم؛ فإنما هي الليلة حتى يعرفوا مكانك.

  / فأتت الجارية حاتما فصرخت به.

  فقال حاتم: لبيك، قريبا دعوت. فقالت: إنّ ماوية تقرأ عليك السلام وتقول لك: إنّ أضيافك قد نزلوا بنا الليلة، فأرسل إليهم بناب ننحرها ولبن نسقهم. فقال: نعم وأبي. ثم قام إلى الإبل فأطلق ثنّيتين من عقاليهما، ثم صاح بهما حتى أتى الخباء فضرب عراقيبهما، فطفقت ماويّة تصيح وتقول: هذا⁣(⁣٤) الذي طلقتك فيه، تترك ولدك وليس لهم شيء، فقال حاتم⁣(⁣٥):

  هل الدّهر إلَّا اليوم أو أمس أو غد ... كذاك الزمان بيننا يتردّد

  / يردّ علينا ليلة بعد يومها ... فلا نحن⁣(⁣٦) ما نبقى ولا الدهر ينفد

  لنا أجل إمّا تناهى أمامه ... فنحن على آثاره نتورّد⁣(⁣٧)

  بنو ثعل قومي فما أنا مدّع ... سواهم إلى قوم وما أنا⁣(⁣٨) مسند

  بدرئهم أغشى دروء معاشر ... ويحنف عنّي الأبلخ المتعمّد⁣(⁣٩)

  فمهلا فداك اليوم⁣(⁣١٠) أمّي وخالتي ... فلا يأمرنّي بالدّنية أسود

  على حين أن ذكيت⁣(⁣١١) واشتدّ جانبي ... أسام التي أعييت إذ أنا أمرد

  / فهل تركت قبلي حضور مكانها! ... وهل من أتى ضيما وخسفا مخلَّد!⁣(⁣١٢)


(١) الديوان: «فإن بادرك ...».

(٢) الوطب: سقاء اللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه أوطب ووطاب وأطاب.

(٣) الصفية: الناقة الصغيرة.

(٤) أ: «تصبح: هذا الذي».

(٥) ديوانه ٣٩.

(٦) الديوان: «ثم يومها فما نحن».

(٧) ف: «نتزود»، والمثبت من أ، ج، ب والديوان.

(٨) في ف، والمختار: «فلا أنا مدّع ... ولا أنا مسند».

(٩) الدرء: الدفع، ويحنف: يميل. والأبلخ: المتكبر. وفي الديوان: «ويجنف».

(١٠) في الديوان: «فمهلا فدى أمي ونفسي وخالتي».

(١١) في ف: «زكيت»، وهو يريد عقرت وذبحت.

(١٢) الديوان:

فهل تركت قبلي حصون مكانها ... وهل أنا إن أعطيت خسفا مخلد