أخبار حاتم ونسبه
  شافهك(١) بالمعروف فاقبلي منه، وإن ضرب بلحيته على زوره، وأدخل يده في رأسه فاقفلي ودعيه، وإنها لما أتت مالكا وجدته متوسّدا وطبا(٢) من لبن وتحت بطنه آخر، فأيقظته فأدخل يده في رأسه وضرب بلحيته على زوره، فأبلغته ما أرسلتها به ماوية، وقالت: إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكانه.
  فقال لها: اقرئي &، وقولي لها: هذا الذي أمرتك أن تطلَّقي حاتما فيه، فما عندي من كبيرة قد تركت العمل، وما كنت لأنحر صفيّة(٣) غزيرة بشحم كلاها، وما عندي لبن يكفي أضياف حاتم.
  فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت منه، وما قال؛ فقالت: ائت حاتما فقولي: إن أضيافك قد نزلوا الليلة بنا، ولم يعلموا بمكانك. فأرسل إلينا بناب ننحرها ونقرهم وبلبن نسقهم؛ فإنما هي الليلة حتى يعرفوا مكانك.
  / فأتت الجارية حاتما فصرخت به.
  فقال حاتم: لبيك، قريبا دعوت. فقالت: إنّ ماوية تقرأ عليك السلام وتقول لك: إنّ أضيافك قد نزلوا بنا الليلة، فأرسل إليهم بناب ننحرها ولبن نسقهم. فقال: نعم وأبي. ثم قام إلى الإبل فأطلق ثنّيتين من عقاليهما، ثم صاح بهما حتى أتى الخباء فضرب عراقيبهما، فطفقت ماويّة تصيح وتقول: هذا(٤) الذي طلقتك فيه، تترك ولدك وليس لهم شيء، فقال حاتم(٥):
  هل الدّهر إلَّا اليوم أو أمس أو غد ... كذاك الزمان بيننا يتردّد
  / يردّ علينا ليلة بعد يومها ... فلا نحن(٦) ما نبقى ولا الدهر ينفد
  لنا أجل إمّا تناهى أمامه ... فنحن على آثاره نتورّد(٧)
  بنو ثعل قومي فما أنا مدّع ... سواهم إلى قوم وما أنا(٨) مسند
  بدرئهم أغشى دروء معاشر ... ويحنف عنّي الأبلخ المتعمّد(٩)
  فمهلا فداك اليوم(١٠) أمّي وخالتي ... فلا يأمرنّي بالدّنية أسود
  على حين أن ذكيت(١١) واشتدّ جانبي ... أسام التي أعييت إذ أنا أمرد
  / فهل تركت قبلي حضور مكانها! ... وهل من أتى ضيما وخسفا مخلَّد!(١٢)
(١) الديوان: «فإن بادرك ...».
(٢) الوطب: سقاء اللبن، وهو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه أوطب ووطاب وأطاب.
(٣) الصفية: الناقة الصغيرة.
(٤) أ: «تصبح: هذا الذي».
(٥) ديوانه ٣٩.
(٦) الديوان: «ثم يومها فما نحن».
(٧) ف: «نتزود»، والمثبت من أ، ج، ب والديوان.
(٨) في ف، والمختار: «فلا أنا مدّع ... ولا أنا مسند».
(٩) الدرء: الدفع، ويحنف: يميل. والأبلخ: المتكبر. وفي الديوان: «ويجنف».
(١٠) في الديوان: «فمهلا فدى أمي ونفسي وخالتي».
(١١) في ف: «زكيت»، وهو يريد عقرت وذبحت.
(١٢) الديوان:
فهل تركت قبلي حصون مكانها ... وهل أنا إن أعطيت خسفا مخلد