أخبار حاتم ونسبه
  جوده وهو غلام
  أقبل ركب من بني أسد ومن قيس يريدون النعمان، فلقوا حاتما، فقالوا له: إنّا تركنا قومنا يثنون عليك خيرا، وقد أرسلوا إليك رسولا برسالة. قال: وما هي؟ فأنشده الأسديّون شعرا لعبيد ولبشر يمدحانه، وأنشد القيسيّون شعرا للنابغة، فلما أنشدوه قالوا: إنا نستحي أن نسألك شيئا، وإن لنا لحاجة، قال: وما هي؟ قالوا: صاحب لنا قد أرجل(١)، فقال حاتم: خذوا / فرسي هذه فاحملوا عليها صاحبكم. فأخذوها وربطت الجارية فلوها(٢) بثوبها، فأفلت، فاتّبعته الجارية، فقال حاتم: ما تبعكم(٣) من شيء فهو لكم، فذهبوا بالفرس والفلو والجارية.
  وإنهم / وردوا على أبي حاتم، فعرف الفرس والفلو، فقال: ما هذا معكم؟ فقالوا: مررنا بغلام كريم فسألناه، فأعطى الجسيم.
  رواية أخرى في خبر أبي الخيبري
  قال: وكنا عند معاوية فتذاكرنا الجود، فقال رجل من القوم: أجود الناس حيّا وميتا حاتم، فقال معاوية:
  وكيف ذلك؛ فإن الرجل من قريش ليعطى في المجلس ما لم يملكه حاتم قطَّ ولا قومه، فقال: أخبرك يا أمير المؤمنين، أنّ نفرا من بني أسد مرّوا بقبر حاتم، فقالوا: لنبخّلنّه ولنخبرنّ العرب أنّا نزلنا بحاتم، فلم يقرنا، فجعلوا ينادون: يا حاتم ألا تقري أضيافك! وكان رئيس القوم رجل يقال له: أبا الخيبريّ، فإذا هو بصوت ينادي في جوف الليل:
  أبا خيبريّ وأنت امرؤ ... ظلوم العشيرة شتّامها(٤)
  إلى آخرها، فذهبوا ينظرون؛ فإذا ناقة أحدهم تكوس(٥) على ثلاثة أرجل عقيرا. قال: فعجب القوم من ذلك جميعا.
  حاتم وأوس بن سعد
  وكان أوس بن سعد قال للنعمان بن المنذر: أنا أدخلك بين جبلي طيّئ حتى يدين لك أهلهما، فبلغ ذلك حاتما، فقال(٦):
  ولقد بغى بخلاد أوس قومه ... ذلَّا وقد علمت بذلك سنبس(٧)
  / حاشا بني عمرو بن سنبس إنهم ... منعوا ذمار أبيهم أن يدنسوا(٨)
  وتواعدوا ورد القريّة غدوة ... وحلفت باللَّه العزيز لنحبس(٩)
(١) أرجل، أي ليس له ما يركبه، فهو راجل.
(٢) الفلو: المهر الذي فطم.
(٣) ف: «ما بلغكم».
(٤) ديوانه ١١، وفيه: «حسود العشيرة».
(٥) تكوس: تمشي على ثلاث قوائم.
(٦) ديوانه ٤٩.
(٧) خلاد: أرض في بلاد طيئ عند الجيلين لبني سنبس، وسنبس هي من طيئ.
(٨) ف: «لا يدنس».
(٩) الديوان: «ليحس».