خبر الحطيئة ونسبه
  وكيف أرجّي ثروها ونماءها ... وقد سار فيها خصية الكلب عامر
  فقال أبو علاثة: ليس هكذا قلت؛ قال: فكيف قلت؟ قال قلت:
  وإني لأرجو ثروها ونماءها ... وقد سار فيها ناجذ الحقّ عامر
  / قال زياد: قاتل اللَّه الشاعر، ينقل لسانه كيف شاء، واللَّه لولا أن تكون سنّة لقطعت لسانك! فقام قيس بن فهد الأنصاريّ فقال: أصلح اللَّه الأمير، ما أدري من الرجل، فإن شئت حدثتك عن عمر بما سمعت منه - قال:
  وكان زياد يعجبه الحديث(١) عن عمر ¥ - قال: هاته، قال شهدته وأتاه الزّبرقان بن بدر بالحطيئة فقال:
  إنه هجاني؛ قال وما قال لك؟ قال قال لي:
  دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
  فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنّها معاتبة؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلَّا أن آكل وألبس! فقال عمر:
  عليّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن سلح عليه - قال ويقال: إنه سأل لبيدا عن ذلك فقال:
  ما يسرّني أنه لحقني من هذا الشعر ما لحقه وأن لي حمر النّعم - فأمر به عمر فجعل في نقير(٢) في بئر ثم ألقي عليه شيء، فقال:
  ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ(٣) ... زغب(٤) الحواصل(٥) لا ماء ولا شجر
  ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام اللَّه يا عمر
  أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النّهى البشر
  لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر(٦)
  / فأخرجه وقال له: إيّاك وهجاء الناس؛ قال: إذا يموت عيالي جوعا، هذا مكسبي ومنه معاشي؛ قال: فإياك والمقذع من القول؛ قال: وما المقذع؟ قال: أن تخاير بين الناس فتقول: فلان خير من فلان، وآل فلان خير من آل فلان؛ قال: فأنت واللَّه أهجى منّي. ثم قال: واللَّه لولا أن / تكون سنّة لقطعت لسانك، ولكن اذهب فأنت له، خذه يا زبرقان؛ فألقى الزبرقان في عنقه عمامة فاقتاده بها؛ وعارضته غطفان فقالوا له: يا أبا شذرة، إخوتك وبنو عمّك، هبه لنا؛ فوهبه لهم. فقال زياد لعامر بن مسعود: قد سمعت ما روي عن عمر، وإنما هي السّنن، فاذهب به فهو لك؛ فألقى في عنقه حبلا أو عمامة، وعارضته بكر بن وائل فقالوا له: أخوالك(٧) وجيرانك؛ فوهبه لهم.
(١) في ط: «وكان زياد يعجبه أن يسمع الحديث عن عمر».
(٢) النقير: ما نقر من حجر أو خشب ونحوهما.
(٣) في هامش ط: «ويروي بذي أمر» وقد ورد البيت فيها فيما يلي بهذه الرواية. وذكر صاحب «القاموس» في مادة «مرخ» أن ذا مرخ بالتحريك واد بالحجاز. قال ياقوت: هو واد بين فدك والوابشية كثير الشجر، وأورد هذا البيت، ثم قال: والرواية المشهورة «بذي أمر» وذو أمر: موضع بنجد من ديار غطفان.
(٤) كذا في أغلب الأصول. وفي ح، و «الديوان»: «حمر الحواصل». والمراد من حمرتها خلو جلدها من الريش لقرب عهدها بالولادة.
(٥) الحوصلة من الطائر والظليم بمنزلة المعدة في الإنسان.
(٦) الأثر: جمع أثره وهي المكرمة. وفي ط: «كانت بك الخير» وفي «الديوان»: «كانت بها الخير».
(٧) في ط: «إخوتك وجيرانك».