خبر الحطيئة ونسبه
  أهلي فداؤك كم بيني وبينهم ... من عرض داوية(١) تعمى بها الخبر
  - قال فبكى حين قال:
  ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
  فقال عمرو بن العاص: ما أظلَّت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة - فقال عمر: عليّ بالكرسيّ، فأتي به، فجلس عليه ثم قال: أشيروا / عليّ في الشاعر، فإنه يقول الهجر(٢) وينسب بالحرم ويمدح الناس ويذمّهم بغير ما فيهم، ما أراني إلَّا قاطعا لسانه، ثم قال: عليّ بالطَّست(٣)، فأتي بها، ثم قال: عليّ بالمخصف(٤)، عليّ بالسّكَّين، لا بل عليّ بالموسى، فهو أوحى(٥)؛ فقالوا لا يعود يا أمير المؤمنين، فأشاروا(٦) إليه أن قل لا أعود؛ فقال: لا أعود يا أمير المؤمنين؛ فقال له: النّجاء. قال: فلما ولَّى قال له عمر:
  يا حطيئة، كأني بك عند فتى من قريش، قد بسط لك نمرقة(٧) وكسر له / أخرى وقال: غنّنا يا حطيئة فطفقت تغنّيه بأعراض الناس. قال ابن أسلم: فما انقضت الدنيا حتى رأيت الحطيئة عند عبيد اللَّه بن عمر قد بسط له نمرقة وكسر له أخرى وقال: غنّنا يا حطيئة، فجعل يغنّيه، فقلت له: يا حطيئة، أتذكر قول عمر؟ ففزع وقال:
  يرحم اللَّه ذلك المرء، أما إنه لو كان حيّا ما فعلت. قال: وقلت لعبيد اللَّه: سمعت أباك يقول كذا وكذا فكنت أنت ذلك الرجل.
  اشترى منه عمر أعراض المسلمين بعطاء
  وروي عن عبد اللَّه بن المبارك أنّ عمر ¥ لما أطلق الحطيئة أراد أن يؤكد عليه الحجة فاشترى منه أعراض المسلمين جميعا بثلاثة آلاف درهم؛ فقال الحطيئة في ذلك:
  وأخذت أطراف الكلام فلم تدع ... شتما يضرّ ولا مديحا ينفع
  وحميتني عرض اللئيم فلم يخف ... دمّي وأصبح آمنا لا يفزع
  شفع له عبد الرحمن بن عوف عند عمر
  أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال حدّثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ عن عمه عن نافع بن أبي نعيم:
  / أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي استرضى عمر بن الخطاب وكلَّمه في أمر الحطيئة حتى أخرجه من السجن. قال حمّاد وأخبرني أبي عن أبي عبيدة أن عمر ¥ لما أطلقه قال الشاعر النّمريّ الذي كان الزبرقان حمله على هجاء بغيض:
(١) الداوية والدوّية: الفلاة الواسعة.
(٢) كذا في ط. وفي سائر النسخ: «الهجو» بالواو.
(٣) كذا في ط. وفي سائر النسخ: «عليّ بطست» بالتنكير.
(٤) المخصف: مخرز الإسكافي وهو الإشفى.
(٥) في ح: «فهي أوحى» والموسى يذكر ويؤنث. وأوجى: أسرع.
(٦) كذا في جميع النسخ بالفاء. والمناسب للمقام هنا العطف بالواو.
(٧) النمرقة: الوسادة.