خبر الحطيئة ونسبه
  لم يزل الحطيئة في بني قريع يمدحهم حتى إذا أحيوا(١) قال لبغيض: ف لي بما كنت تضمّنت؛ فأتى بغيض علقمة بن هوذة فقال له: قد جاء اللَّه بالحيا، فف لي بما قلت - وكان قد ضمن له مائة بعير - وأبرئني مما تضمّنته عهدتي؛ فقال: نعم، سل في بني قريع فمهما فضل بعد عطائهم أن يتمّ مائة أتممته، ففعل فجمعوا له أربعين أو خمسين بعيرا، كان الرجل يعطيه على قدر ماله البعير / والبعيرين؛ قال: فأتمّها علقمة له مائة وراعيين فدفعت إليه.
  فلم يزل يمدحهم وهو مقيم بينهم حتى قال كلمته السينيّة واستعدى الزبرقان عليه عمر ¥. فلما رحل عنهم قال:
  لا يبعد اللَّه إذ ودّعت أرضهم ... أخي بغيضا ولكن غيره بعدا
  لا يبعد اللَّه من يعطي الجزيل ومن ... يحبو الجليل وما أكدي ولا نكدا
  ومن تلاقيه(٢) بالمعروف مبتهجا ... إذا اجرهدّ(٣) صفا المذموم أو صلدا
  لاقيته ثلجا(٤) تندى أنامله ... أن يعطك اليوم لا يمنعك ذاك غدا
  إنّي لرافده ودّي ومنصرتي ... وحافظ غيبه إن غاب أو شهدا
  أقبل على ابن عباس وسأله: أعليه جناح في هجاء الناس
  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد(٥) بن الحارث عن المدائنيّ عن ابن دأب عن عبد اللَّه بن عيّاش المنتوف قال:
  بينا ابن عباس جالس في مجلس(٦) رسول اللَّه ÷ بعد ما كفّ بصره وحوله ناس من قريش، إذا أقبل أعرابيّ يخطر وعليه مطرف وجبّة وعمامة خزّ، حتى سلَّم على القوم فردّوا #، فقال: يا بن عمّ رسول اللَّه، أفتني؛ قال: فيماذا؟ قال أتخاف عليّ جناحا إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته وقصّر بي فقصّرت به؟ فقال:
  العفو خير، ومن انتصر فلا جناح عليه؛ فقال: يا بن عمّ رسول اللَّه ÷ أرأيت امرأ أتاني فوعدني وغرّني ومنّاني ثم أخلفني واستخفّ بحرمتي، أيسعني أن أهجوه؟ قال: لا يصلح الهجاء، لأنه لا بدّ لك من أن تهجو غيره من عشيرته فتظلم من لم يظلمك، وتشتم من لم يشتمك، وتبغي على من لم يبغ عليك، والبغي مرتع وخيم، وفي العفو ما قد علمت من الفضل؛ قال: صدقت وبررت؛ فلم ينشب أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان المحاربيّ حليف قريش، فلما رأى الأعرابيّ أجلَّه وأعظمه وألطف في مسئلته، وقال: قرّب اللَّه دارك يا أبا مليكة، فقال ابن عباس:
  أجرول؟ قال: جرول؛ فإذا هو الحطيئة، فقال ابن عباس: للَّه أنت! أيّ مردي(٧) قذاف، وذائد عن عشيرة(٨)،
(١) أحيوا: أصابهم الحيا وهو المطر.
(٢) كذا في أ، م بالتاء، وهو المناسب للسياق. وفي ب، س، ح، ط: «يلاقيه».
(٣) يقال: أجرهدّت الأرض إذا لم يوجد فيها نبات ولا مرعى. والصفا: جمع صفاة وهي الصخرة الملساء.
(٤) ثلجا: فرحا مبتهجا.
(٥) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «محمد» وقد تقدّم في صفحة ١٧١ حاشية ١ من هذا الجزء أنه أحمد بن الحارث الخزاز صاحب المدائنيّ وروايته.
(٦) أي في المكان الذي كان يجلس فيه النبيّ ÷، لأن ابن عباس كفّ بصره بعد وفاته ÷، وسياق الحكاية نفسها يدل على ذلك.
(٧) المردي في الأصل: حجر يرمى، ويطلق على الرجل الشجاع فيقال: أنه لمردي حروب.
(٨) كذا في ح. وفي سائر النسخ: «عشيرته».