كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الحطيئة ونسبه

صفحة 456 - الجزء 2

  ومثن بعارفة تؤتاها أنت يا أبا ملكية! واللَّه لو كنت عركت⁣(⁣١) بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزّبرقان كان خيرا لك، / ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك، وشتمت من لم يشتمك؛ قال: إنّي واللَّه بهم يا أبا العباس⁣(⁣٢) لعالم؛ قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك؛ قال: بلى واللَّه! يرحمك اللَّه! ثم أنشأ يقول:

  أنا ابن بجدتهم⁣(⁣٣) علما وتجربة ... فسل بسعد تجدني أعلم الناس

  سعد بن زيد كثير إن عددتهم ... ورأس سعد بن زيد آل شمّاس

  والزبرقان ذناباهم⁣(⁣٤) وشرّهم ... ليس الذّنابى أبا العباس كالرأس

  فقال ابن عباس: أقسمت عليك ألَّا تقول⁣(⁣٥) إلَّا خيرا، قال: أفعل. ثم قال ابن عباس: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ قال: أمن الماضين أم من الباقين؟ قال: من الماضين؛ قال: الذي يقول:

  ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشتم يشتم

  وما بدونه الذي يقول:

  ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرجال المهذّب

  / ولكنّ الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا - يعني نفسه - واللَّه يا بن عمّ رسول اللَّه لولا الطمع والجشع لكنت أشعر⁣(⁣٦) الماضين، فأما الباقون فلا تشكّ أنّي أشعرهم وأصردهم⁣(⁣٧) سهما إذا رميت.

  / منع الزبرقان عبد اللَّه بن أبي ربيعة ماءه فهجاه وهجاه لذلك بنو أنف الناقة

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: روي لنا عن أبي عبيدة والهيثم بن عديّ وغيرهما:

  أنّ عبد اللَّه بن أبي ربيعة لما قدم من البحرين نزل على الزّبرقان بن بدر بمائه فحّلأه وهو الماء الذي يقال له بنيان⁣(⁣٨)، فنزل على بني أنف الناقة بمائهم وهو الذي يقال له وشيع، فأكرموه وذبحوا له شاة وقالوا: لو كانت إبلنا منّا قريبة لنحرنا لك؛ فراح من عندهم يتغنّى فيهم بقوله:

  وما الزبرقان يوم يمنع ماءه ... بمحتسب التّقوى ولا متوكَّل

  مقيم على بنيان يمنع ماءه ... وماء وشيع ماء ظمآن مرمل


(١) عرك بجنبه ما كان من صاحبه: احتمله. وأنشدوا على هذا:

إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد

(٢) كنية عبد اللَّه بن عباس ¥.

(٣) البجدة: دخلة الأمر وباطنه. ومن الأمثال: «أنا ابن بجدتها» يقال ذلك للعالم بالشيء المتقن له. والهاء راجعة إلى الأرض.

(٤) ذناباهم: ذنبهم.

(٥) كذا في أ، م. وفي ب، س، ح، ط: «أن تقول» بدون لا وحذف لا النافية في مثل هذا الموضع جائز، انظر الحاشية رقم ١ ص ١٦٧ ج ١ من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.

(٦) في ب، س، ط: «لكنت أشعر الناس الماضين».

(٧) أصردهم: أنفذهم.

(٨) كذا في «معجم ياقوت»، وضبطه بالضم وقال: كذا وجدته في شعر الأعشى، ووجدته بخط الترمذيّ الذي نقله من خط ثعلب «بنيان» بالفتح في قول الحطيئة: مقيم على بنيان يمنع ماءه الخ. وقال: هي قرية باليمامة ينزلها بنو سعد بن زيد بن مناة بن تميم.

وفي جميع الأصول: «تبيان» وهو تحريف.