خبر الحطيئة ونسبه
  ومثن بعارفة تؤتاها أنت يا أبا ملكية! واللَّه لو كنت عركت(١) بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزّبرقان كان خيرا لك، / ولقد ظلمت من قومه من لم يظلمك، وشتمت من لم يشتمك؛ قال: إنّي واللَّه بهم يا أبا العباس(٢) لعالم؛ قال ما أنت بأعلم بهم من غيرك؛ قال: بلى واللَّه! يرحمك اللَّه! ثم أنشأ يقول:
  أنا ابن بجدتهم(٣) علما وتجربة ... فسل بسعد تجدني أعلم الناس
  سعد بن زيد كثير إن عددتهم ... ورأس سعد بن زيد آل شمّاس
  والزبرقان ذناباهم(٤) وشرّهم ... ليس الذّنابى أبا العباس كالرأس
  فقال ابن عباس: أقسمت عليك ألَّا تقول(٥) إلَّا خيرا، قال: أفعل. ثم قال ابن عباس: يا أبا مليكة، من أشعر الناس؟ قال: أمن الماضين أم من الباقين؟ قال: من الماضين؛ قال: الذي يقول:
  ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتّق الشتم يشتم
  وما بدونه الذي يقول:
  ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث، أيّ الرجال المهذّب
  / ولكنّ الضراعة أفسدته كما أفسدت جرولا - يعني نفسه - واللَّه يا بن عمّ رسول اللَّه لولا الطمع والجشع لكنت أشعر(٦) الماضين، فأما الباقون فلا تشكّ أنّي أشعرهم وأصردهم(٧) سهما إذا رميت.
  / منع الزبرقان عبد اللَّه بن أبي ربيعة ماءه فهجاه وهجاه لذلك بنو أنف الناقة
  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: روي لنا عن أبي عبيدة والهيثم بن عديّ وغيرهما:
  أنّ عبد اللَّه بن أبي ربيعة لما قدم من البحرين نزل على الزّبرقان بن بدر بمائه فحّلأه وهو الماء الذي يقال له بنيان(٨)، فنزل على بني أنف الناقة بمائهم وهو الذي يقال له وشيع، فأكرموه وذبحوا له شاة وقالوا: لو كانت إبلنا منّا قريبة لنحرنا لك؛ فراح من عندهم يتغنّى فيهم بقوله:
  وما الزبرقان يوم يمنع ماءه ... بمحتسب التّقوى ولا متوكَّل
  مقيم على بنيان يمنع ماءه ... وماء وشيع ماء ظمآن مرمل
(١) عرك بجنبه ما كان من صاحبه: احتمله. وأنشدوا على هذا:
إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما ... يريب من الأدنى رماك الأباعد
(٢) كنية عبد اللَّه بن عباس ¥.
(٣) البجدة: دخلة الأمر وباطنه. ومن الأمثال: «أنا ابن بجدتها» يقال ذلك للعالم بالشيء المتقن له. والهاء راجعة إلى الأرض.
(٤) ذناباهم: ذنبهم.
(٥) كذا في أ، م. وفي ب، س، ح، ط: «أن تقول» بدون لا وحذف لا النافية في مثل هذا الموضع جائز، انظر الحاشية رقم ١ ص ١٦٧ ج ١ من «الأغاني» طبع دار الكتب المصرية.
(٦) في ب، س، ط: «لكنت أشعر الناس الماضين».
(٧) أصردهم: أنفذهم.
(٨) كذا في «معجم ياقوت»، وضبطه بالضم وقال: كذا وجدته في شعر الأعشى، ووجدته بخط الترمذيّ الذي نقله من خط ثعلب «بنيان» بالفتح في قول الحطيئة: مقيم على بنيان يمنع ماءه الخ. وقال: هي قرية باليمامة ينزلها بنو سعد بن زيد بن مناة بن تميم.
وفي جميع الأصول: «تبيان» وهو تحريف.