كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خفاف ونسبه

صفحة 319 - الجزء 18

  عيب فيه، ثم هجا والديّ فما ضرّهما ولا نفعه، ثم برزت له فأخفى شخصه واتّقاني بغيره، ولو شئت لشتمت أباه وثلبت عرضه، ولكني وإياه كما قال شبام بني زبيد⁣(⁣١) لابن عم له، يقال له ثروان بن مرّة، كان أشبه الناس بخفاف:

  وهبت لثروان بن مرّة نفسه ... وقد أمكنتني من ذؤابته يدي

  وأحمل ما في اليوم من سوء رأيه ... رجاء الذي يأتي⁣(⁣٢) به اللَّه في غد

  ولست عليه في السّفاه كنفسه ... ولست إذا لم أهجه بموعّد

  وقال:

  أراني كلما قاربت قومي ... نأوا عني وقطعهم شديد

  سئمت عتابهم فصفحت عنهم ... وقلت لعلّ حلمهم يعود

  وعلّ اللَّه يمكن من خفاف ... فأسقيه التي عنها يحيد

  بما اكتسبت يداه وجرّ فينا ... من الشّحنا التي ليست تبيد

  / وأنّى لي يؤدّبني خفاف ... وعوف والقلوب لها وقود

  وإني لا أزال أريد خيرا ... وعند اللَّه من نعم مزيد

  فضاقت بي صدورهم وغصّت ... حلوق ما يبضّ لها وريد

  متى أبعد فشرّهم قريب ... وإن أقرب فودّهم بعيد

  أقول لهم وقد لهجوا بشتمي: ... ترقّوا يا بني عوف وزيدوا

  فما شتمي بنافع حيّ عوف ... أينقصني الهبوط أم الصّعود

  أتجعلني سراة بني سليم ... ككلب لا يهرّ ولا يصيد

  كأنّي لم أقد خيلا عتاقا ... شوازب ما لها في الأرض عود⁣(⁣٣)

  أجشّمها مهامه طامسات ... كأنّ رمال صحصحها⁣(⁣٤) قعود

  عليها من سراة بني سليم ... فوارس نجدة في الحرب صيد

  فأوطي من تريد بني سليم ... بكلكلها ومن ليست تريد

  فلما بلغ خفافا قول العباس قال: واللَّه ما عبت العباس إلا بما فيه، وإني لسليم العود، صحيح الأديم، ولقد أدنيت سوادي من سواده فلم أحجم ولا نكصت عنه، وإني وإيّاه كما قال ثروان لشبام بني زبيد⁣(⁣٥)، وكان يلقى منه ما لقي من العباس، قال:

  رأيت شباما لا يزال يعيبني ... فللَّه ما بالي وبال شبام

  فقصرك منّي ضربة مازنيّة ... بكفّ امرئ في الحرب غير كهام⁣(⁣٦)


(١) ب: شبام بن زبيد.

(٢) ف: «رجاء التي يأتي بها اللَّه ...».

(٣) ف: «خيلا سيارا». والشوازب: الضوامر. وفي ب: «كأني لم أقل ... مثلها في الأرض» تحريف.

(٤) الصحصح: ما استوى من الأرض وجرد.

(٥) ب: لشبام بن زبيد.

(٦) ب: الحي بدل الحرب. وفي ف، المختار: «بكف فتى في الحق»، وقصرك: مصدر قصر بمعنى انتهى وكف. وسيف كهام: كليل.