كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عمران بن حطان ونسبه

صفحة 332 - الجزء 18

  أضيافه، فقال: إنّ أمير المؤمنين سألنا عن الذي يقول:

  يا ضربة من كريم ما أراد بها .....

  ثم ذكر الشعر، وسألهم عن قائله، فلم يكن عند أحد منهم علم، فقال له عمران: / هذا قول عمران بن حطَّان في ابن ملجم قاتل عليّ بن أبي طالب، قال: فهل فيها غير هذين البيتين تفيدنيه؟ قال:

  نعم:

  للَّه درّ المراديّ الذي سفكت ... كفّاه مهجة شرّ الخلق إنسانا

  أمسى عشيّة غشّاه بضربته ... ممّا جناه من الآثام عريانا

  - صلوات اللَّه على أمير المؤمنين، ولعن اللَّه عمران بن حطان وابن ملجم - فغدا روح فأخبر عبد الملك، فقال: من أخبرك بذلك، فقال: ضيفي، قال: أظنّه عمران بن حطَّان، فأعلمه أنّي قد أمرتك أن تأتيني به، قال:

  أفعل، فراح روح إلى أضيافه فأقبل على عمران، فقال له: إني ذكرتك لعبد الملك، فأمرني أن آتيه بك، قال: كنت أحبّ ذلك منك، وما منعني من ذكره إلا الحياء منك، وأنا متّبعك، فانطلق. فدخل روح على عبد الملك، فقال له:

  أين صاحبك؟ فقال: قال لي: أنا متّبعك، قال: أظنّك واللَّه سترجع فلا تجده، فلما رجع روح إلى منزله إذا عمران قد مضى، وإذا هو قد خلَّف رقعة في كوّة عند فراشه، وإذا فيها يقول:

  يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ طنّك من لخم وغسّان

  حتى إذا خفته فارقت منزله ... من بعد ما قيل: عمران بن حطَّان

  قد كنت ضيفك حولا لا تروّعني ... فيه الطوارق من إنس ولا جان

  حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما أوحش الناس من خوف ابن مروان

  فاعذر أخاك ابن زنباع فإنّ له ... في الحادثات هنات ذات ألوان

  يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدّيا فعدناني

  لو كنت مستغفرا يوما لطاغية ... كنت المقدّم في سرّي وإعارني

  لكن أبت ذاك آيات مطهّرة ... عند التّلاوة في طه وعمران

  نزوله بزفر بن الحارث ثم خروجه من عنده

  قال: ثم أتى عمران بن حطَّان الجزيرة، فنزل بزفر بن الحارث الكلابي بقرقيسيا، فجعل شباب / بني عامر يتعجّبون من صلاته وطولها، وانتسب لزفر أوزاعيّا، فقدم على زفر رجل من أهل الشام قد كان رأى عمران بن حطَّان بالشام عند روح بن زنباع، فصافحه وسلَّم عليه، فقال زفر للشّامي: أتعرفه؟ قال: نعم، هذا شيخ من الأزد، فقال له زفر: أزديّ مرّة وأوزاعيّ أخرى! إن كنت خائفا آمنّاك، وإن كنت عائلا أغنيناك، فقال: إن اللَّه هو المغني، وخرج من عنده وهو يقول:

  إن الَّتي أصبحت يعيا بها زفر ... أعيت عياء على روح بن زنباع⁣(⁣١)

  أمسى يسائلني حولا لأخبره ... والناس من بين مخدوع وخدّاع


(١) في «المختار» «عيت عياء» وفي ب، س: ... يعني بها زفر ... أعيت عناء ...».