أخبار الأعشى ونسبه
  وسدّة الباب(١) وعنف الحاجب ... - من نعمة أسديتها بخائب
  فأبطأ عليه زيد، فأتى سفيان بن الأبرد الكلبيّ، فكلَّمه سفيان فأبطأ عليه، فعاد إلى سفيان، فقال له:
  عد إذ بدأت أبا يحيى فأنت لها ... ولا تكن حين هاب النّاس هيّابا(٢)
  واشفع شفاعة أنف لم يكن ذنبا ... فإنّ من شفعاء النّاس أذنابا
  فأتى سفيان زيدا الكاتب فلم يفارقه حتى قضى حاجته.
  بحث عبد الملك على الخروج لمحاربة ابن الزبير
  قال محمد بن حبيب: دخل أعشى بني أبي ربيعة(٣) على عبد الملك وهو يتردد في الخروج لمحاربة ابن الزبير ولا يجدّ، فقال له: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متلوّما ينهضك الحزم ويقعدك العزم، وتهم بالإقدام وتجنح إلى الإحجام، انقد لبصيرتك / وأمض رأيك، وتوجّه إلى عدوّك، فجدّك مقبل، وجدّه مدبر، وأصحابه له ماقتون، ونحن لك محبّون، وكلمتهم مفترقة، وكلمتنا عليك مجتمعة، واللَّه ما تؤتى من ضعف جنان، ولا قلَّة أعوان، ولا يثبّطك عنه ناصح، ولا يحرّضك عليه غاشّ، وقد قلت في ذلك أبياتا فقال: هاتها، فإنك تنطق بلسان ودود وقلب ناصح، فقال:
  آل الزّبير من الخلافة كالَّتي ... عجل النّتاج بحملها فأحالها
  أو كالضّعاف من الحمولة حمّلت ... ما لا تطيق فضيّعت أحمالها
  قوموا إليهم لا تناموا عنهم ... كم للغواة أطنتموا إمهالها(٤)
  إنّ الخلافة فيكم لا فيهم ... ما زلتم أركانها وثمالها(٥)
  أمسوا على الخيرات قفلا مغلقا(٦) ... فانهض بيمنك فافتتح أقفالها
  فضحك عبد الملك، وقال: صدقت يا أبا عبد اللَّه، إنّ أبا خبيب لقفل دون كل خير، ولا نتأخّر عن مناجزته إن شاء اللَّه، ونستعين اللَّه عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأمر له بصلة سنية.
  جفاء الحجاج ثم سر بكلامه
  / قال ابن حبيب: كان الحجّاج قد جفا الأعشى واطَّرحه لحالة كانت عند بشر بن مروان، فلما فرغ الحجّاج من حرب الجماجم ذكر فتنة ابن الأشعث، وجعل يوبّخ أهل العراق، ويؤنّبهم، فقال من حضر من أهل البصرة: إنّ الرّيب والفتنة بدآ من أهل الكوفة، وهم أول من خلع الطاعة وجاهر بالمعصية، فقال أهل الكوفة: لا، بل أهل البصرة أوّل من أظهر المعصية مع جرير بن هميان السّدوسيّ، إذ جاء مخالفا من السّند(٧). وأكثروا من ذلك، فقام
(١) في ف: وشدة الباب.
(٢) في ب: ... ولا تكن من كلام الناس هيابا».
(٣) في أ، ف: «أعشى بني ربيعة»، ويقال له أعشى بني ربيعة نسبة إلى ربيعة بن نزار، وأعشى بني أبي ربيعة نسبة إلى أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان.
(٤) في ف: إهمالها.
(٥) ثمالها: غياثها.
(٦) في ف: موثقا.
(٧) في ب: «إذ جاء من الهند».