أخبار عمرو بن قميئة ونسبه
  لأمتنعنّ منه خوف الدّناءة والذّكر القبيح الشّائع عنّي في العرب، قالت: واللَّه لتفعلنّ أو لأسوأنّك، قال: إلى المساءة تدعينني. ثم قام فخرج من عندها، وخافت أن يخبر عمّه بما جرى، فأمرت بجفنة فكفئت على أثر عمرو، فلما رجع عمّه وجدها متغضّبة، فقال لها: ما لك؟ قالت: إنّ رجلا من قومك قريب القرابة، جاء يستامني نفسي ويريد فراشك منذ خرجت، قال: من هو؟ قالت: أما أنا فلا أسمّيه، ولكن قم فافتقد أثره تحت الجفنة، فلما رأى الأثر عرفه.
  هروبه من عمه إلى الحيرة
  قال مؤرّج في خبره: فحدّثني أبو برزة وعلقمة بن سعد وغيرهما من بني قيس بن ثعلبة، قالوا:
  وكان لمرثد سيف يسمّى ذا الفقار، فأتى ليضربه به، فهرب فأتى الحيرة، فكان عند اللَّخميّين ولم يكن يقوى على بني مرثد لكثرتهم، وقال لعمرو بن هند: إنّ القوم اطَّردوني، فقال له: ما فعلوا إلا وقد أجرمت، وأنا أفحص / عن أمرك، فإن كنت مجرما ما رددتك إلى قومك، فغضب وهمّ بهجائه وهجاء مرثد، ثم أعرض عن ذلك، ومدح عمّه واعتذر إليه، انتهى.
  وأما أبو عمرو فإنّه قال:
  لما سمع مرثد بذلك، هجر عمرا وأعرض عنه، ولم يعاقبه(١) لموضعه من قلبه، فقال عمرو يعتذر إلى عمّه:
  خليليّ لا تستعجلا أن تزوّدا ... وأن تجمعا شملي وتنتظرا غدا
  فما لبثي يوما بسائق مغنم ... ولا سرعتي يوما بسائقة الرّدى(٢)
  وإن تنظراني(٣) اليوم أقض لبانة ... وتستوجبا منّا عليّ وتحمدا
  لعمرك ما نفس بجدّ رشيدة ... تؤامرني سوءا(٤) لأصرم مرثدا
  وإن ظهرت مني قوارص جمّة ... وأفرع من لومي مرارا وأصعدا(٥)
  على غير جرم أن أكون جنيته ... سوى قول باغ كادني فتجهّدا
  لعمري لنعم المرء تدعو بخيله(٦) ... إذا ما المنادي في المقامة ندّدا
  عظيم رماد القدر لا متعبّس ... ولا مؤيس منها إذا هو أوقدا
  وإن صرّحت كحل(٧) وهبّت عريّة ... من الرّيح لم تترك من المال مرفدا
  صبرت على وطء الموالي وخطبهم(٨) ... إذا ضنّ ذو القربى عليهم وأخمدا
  يعني أخمد ناره بخلا، وروى: أجمدا. المجمد: البخيل.
(١) في ب: يعاتبه.
(٢) في ف:
«فما كنت يوما ..... ولا سرعتي يوما بسابقة «
وفي «الديوان»:
«فما لبث يوما بسابق مغنم ..... بسابقة الردى «
(٣) في ب: «وإن تنظرا في اليوم».
(٤) في ف، و «الديوان» ١١: سرا.
(٥) في ب: «وأفرغ من لؤمي»، تحريف.
(٦) في ب: بخلة، وفي «الديوان» ١١: تدعو بحبله.
(٧) كحل: السنة الشديدة المجدبة. وفي ف: عجل. والعرية: الباردة. والمرفد: ما يعطى للضيف.
(٨) في هب: «وحطهم». وفي ف، بيروت، و «الديوان» ١٢: «وحطمهم».