كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سعيد بن حميد ونسبه

صفحة 361 - الجزء 18

  في هذه الأبيات هزج لأحمد بن صدقة، أخبرني بذلك ذكاء وجه الرّزّة.

  وجدت في بعض الكتب:

  حدثني أحمد بن سليمان بن وهب أنه كان في مجلس فيه سعيد بن حميد، فلما سكروا قام سعيد قومة بعد العصر⁣(⁣١)، فلم نشعر إلا وقد أخذ ثيابه فلبسها، وأخذ بعضدتي الباب، وأنشأ يقول:

  سلام عليكم حالت الرّاح بيننا ... وألوت بنا عن كل مرأى ومسمع

  / ولم يبق إلا أن يميل بنا الكرى ... ويجمع نوم⁣(⁣٢) بين جنب ومضجع

  / فقام له أهل المجلس، وقالوا: يا سيدنا، اذهب في حفظ اللَّه وفي ستره، فانصرف وودّعهم.

  كتب لفضل الشاعرة يعتذر إليها

  حدثني محمد بن الطَّلَّاس أبو الطَّيّب، قال: حدثني عبد اللَّه بن طالب الكاتب قال:

  قرأت رقعة بخطَّ سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة يعتذر إليها من تغيّر ظنّته به، وفي آخرها:

  تظنّون أني قد تبدّلت بعدكم ... بديلا وبعض الظَّنّ إثم ومنكر

  إذا كان قلبي في يديك رهينة ... فكيف بلا قلب أصافي وأهجر!

  في هذين البيتين لابن القصّار الطَّنبوريّ رمل، وفيهما لمحمد قريض خفيف رمل.

  خبره مع كعب جارية أبي عكل المقين

  أخبرني عليّ بن العباس بن أبي طلحة الكاتب قال: حدثني أبو عليّ المادرانيّ⁣(⁣٣) أنه كان في مجلس فيه كعب جارية أبي عكل المقيّن، وكان بعض أهل المجلس يهواها قال: فدخل إلينا سعيد بن حميد، فقام إليه أهل المجلس جميعا سوى الجارية والفتى، فأخذ سعيد الدواة فكتب رقعة وألقاها في حجرها، فإذا فيها قوله:

  ما على أحسن خل ... ق اللَّه أن يحسن فعله

  بأبي أنت وأمّي ... من مليك قلّ عدله

  وبخيل بالهوى لو ... كان يسلى عنه بخله

  أكثر العاذل في حبّ ... ك لو ينفع عذله

  فهو مشغول بعذلي ... وفؤادي بكل شغله

  أكثر الشّكوى وأستع ... دي على من قلّ بذله

  / فوثبت الجارية فقبّلت رأسه وجلست إلى جنبه، فقال الرّجل الذي كان يهواها: هذا واللَّه كلام الشّياطين ورقية الزّنا، وبهذا يتمّ الأمر، أما أنا فإني أشهدكم، لا قرأت اليوم في صلاتي غير هذه الأبيات لعلَّها تنفعني، فضحك سعيد وقال: بحياتي قومي فارجعي إليه حتى تكون الأبيات قد نفعته قبل أن يقرأها في صلاته، وسرّيني بذلك، فقامت فرجعت إلى موضعها.


(١) ف: «فلما سكرنا نام سعيد نومة».

(٢) ف: «سكر».

(٣) في هب: الداراني. وفي ف: «أبو علي المداري أنه كان في مجلس فيه لعب جارية بن علل المقين».