كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سعيد بن حميد ونسبه

صفحة 362 - الجزء 18

  خبرة مع جارية كان يهواها زارته على غير وعد

  قال عليّ بن العبّاس: وحدثني أبو عليّ المادرانيّ: أنّه كان عنده يوما، فدخلت إليه جارية - كان يهواها - غفلة على غير وعد، فسرّ بذلك وقال لها: قد كنت على عتابك، فأمّا الآن فلا، فقالت: أمّا العتاب فلا طاقة لي به، وو اللَّه ما جئتك إلا عند غفلة البوّاب، فقال سعيد⁣(⁣١) في ذلك:

  زارك زور على ارتقاب ... مغتنما غفلة الحجّاب

  مستترا بالنّقاب يبدو ... ضياء خدّيه في النّقاب

  كالشّمس تبدو وقد طواها ... دونك ستر من السّحاب

  قد كان في النفس منك عتب ... يدعو إلى شدّة اجتناب

  فملت بالعتب عن حبيب ... يضعف عن موقف العتاب

  والذّنب منه وأنت تخشى ... في هجره صولة العقاب

  عبد اللَّه بن داود يستحسن شعرا له

  / أخبرني عمّي قال: حدّثني ابن أبي سعد، قال: حدّثني محمّد بن عبد اللَّه بن داود، قال: كان أبي يستحسن قول سعيد بن حميد:

  تظنّون أنّي قد تبدّلت بعدكم ... بديلا، وبعض الظَّنّ إثم ومنكر

  إذا كان قلبي في يديك رهينة ... فكيف بلا قلب أصافي وأهجر!

  / ويقول: لئن عاش هذا الغلام ليكوننّ له في الشّعر شأن.

  في هذين البيتين غناء من خفيف الرمل، وذكر قريض أنّه له.

  زارته فضل الشاعرة فجأة أثناء ذهابها إلى القصر فقال في ذلك شعرا

  أخبرني ابن أبي طلحة قال: حدّثني إسحاق بن مسافر أنه كان عند سعيد بن حميد يوما إذ دخلت عليه فضل الشاعرة على غفلة، فوثب إليها وسلَّم عليها، وسألها أن تقيم عنده، فقالت: قد جاءني وحياتك رسول من القصر، فليس يمكنني الجلوس، وكرهت أن أمرّ ببابك ولا أراك، فقال سعيد من وقته على البديهة:

  قربت ولا نرجو اللَّقاء ولا نرى⁣(⁣٢) ... لنا حيلة يدنيك منّا احتيالها

  فأصبحت كالشمس المنيرة ضوؤها ... قريب ولكن أين منّا منالها!

  كظاعنة ضنّت بها غربة النّوى ... علينا ولكن قد يلمّ خيالها

  تقرّبها الآمال ثم تعوقها ... مماطلة الدّنيا بها واعتلالها

  ولكنها أمنيّة فلعلها ... يجود بها صرف النّوى وانتقالها


(١) ف: سعيد بن حميد.

(٢) في ف: «قربت ولم نرج اللقاء ولم تجد».