كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سعيد بن حميد ونسبه

صفحة 367 - الجزء 18

  تنامين عن ليلي وأسهره وحدي⁣(⁣١)

  فلم تتعطَّف عليه، وبلغها بعد ذلك أنه قد عشق جارية من جواري القيان، فكتبت إليه:

  يا عالي السنّ سيّئ الأدب ... شبت وأنت الغلام في الطَّرب

  ويحك إنّ القيان كالشّرك ألم ... نصوب بين الغرور والعطب

  لا تصدّين للفقير ولا ... يطلبن إلا معادن الذهب

  بينا تشكَّى هواك إذ عدلت ... عن زفرات الشّكوى إلى الطَّلب

  تلحظ هذا وذاك وذا ... لحظ محبّ وفعل مكتسب

  عادته فضل في مرضه وأهدته هدايا كثيرة

  أخبرني إبراهيم قال: وحدّثني أبي قال:

  اقتصد سعيد بن حميد، فسألتني فضل الشاعرة، وسألت عريب أن نمضي إليه، ففعلنا، وأهدت إليه هدايا، فكان منها ألف جدي وحمل⁣(⁣٢) وألف دجاجة فائقة، وألف طبق ريحان وفاكهة، ومع ذلك طيب كثير وشراب وتحف حسان، فكتب إليها سعيد: إنّ سروري لا يتم إلا بحضورك، فجاءته في آخر النهار، وجلسنا نشرب، فاستأذن غلامه لبنان فأذن له، فدخل إلينا وهو يومئذ شابّ طرير، حسن الوجه، / حسن الغناء، نظيف الثياب، شكل⁣(⁣٣)، فذهب بها كلّ مذهب، وأقبلت عليه بحديثها ونظرها، فتشمّز⁣(⁣٤) سعيد واستطير غضبا، وتبيّن بنان القصّة فانصرف، وأقبل عليها سعيد يعذلها ويؤنّبها ساعة، ثم أمسك، فكتبت إليه:

  يا من أطلت تفرّسي ... في وجهه وتنفّسي

  أفديك من متدلَّل ... يزهى بقتل الأنفس

  هبني أسأت وما أسأ ... ت بلى أقرّ أنا المسي

  أحلفتني ألَّا أسا ... رق نظرة في مجلسي

  فنظرت نظرة مخطئ ... أتبعتها بتفرّس

  ونسيت أنّي قد حلف ... ت، فما عقوبة من نسي؟

  فقام سعيد، فقبّل رأسها وقال: لا عقوبة عليه بل نحتمل هفوته، ونتجافى عن إساءته، وغنت عريب في هذا الشّعر هزجا، فشربنا عليه بقيّة يومنا، ثم افترقنا. وأثّر بنان في قلبها وعلقت به، فلم تزل حتى واصلته وقطعت سعيدا.

  وجدت في بعض الكتب عن عبد اللَّه بن المعتز، قال: قال لي إبراهيم بن المهدي⁣(⁣٥):

  كانت فضل الشّاعرة من أحسن خلق اللَّه خطَّا، وأفصحهم كلاما، وأبلغهم في مخاطبة، وأثبتهم في محاورة،


(١) عجز البيت كما جاء في ف، بيروت: «وأنهى دموعي أن تبثك ما عندي». وفي «التجريد»: «وأنهى جفوني ...».

(٢) ب، س: «وجمل.

(٣) شكل: فيه دلال وغزل.

(٤) تشمز: تقبض. وفي «المختار»: «فغم». وفي ب، س: «فتشمر»، تصحيف.

(٥) ف، بيروت: المدبر.