كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب أشجع وأخباره

صفحة 400 - الجزء 18

  فمرّ واللَّه في قصيدة قلّ ما تقول العرب مثلها، فجعل الرشيد يضرب بمخصرته الأرض ويقول: الشّعر في ربيعة سائر اليوم، فلما خرجنا قلت لأشجع: غمزتك أن تقطع فلم تفعل، ويلك! ولم تأت بشيء، فهلَّا متّ بعد البيتين أو خرست، فكنت تكون أشعر الناس.

  اشترى جعفر بن يحيى ضيعة وردها على أصحابها فمدحه

  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبيّ، قال: حدّثنا هارون بن محمد بن عبد الملك الزّيّات قال: حدّثني موسى بن عيسى، قال:

  اشترى جعفر بن يحيى المرغاب⁣(⁣١) من آل الرشيد⁣(⁣٢) بعشرين ألف ألف درهم، وردّه على أصحابه، فقال أشجع السّلميّ يمدحه بذلك ويقول:

  ردّ السّباخ ندى يديه وأهلها ... منها بمنزلة السّماك الأعزل

  قد أيقنوا بذهابها وهلاكهم ... والدّهر يوعدهم بيوم أعضل⁣(⁣٣)

  فافتكَّها لهم وهم من دهرهم ... بين الجران وبين حدّ الكلكل

  ما كان يرجى غيره لفكاكها ... يرجى الكريم لكل خطب معضل

  أنشد جعفر بن يحيى مديحا له لوقته على وزن قصيدة لحميد بن ثور وقافيتها

  / أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدثني أحمد بن محمد حرّان⁣(⁣٤)، عن قدامة بن نوح، قال:

  جلس جعفر بن يحيى بالصالحيّة يشرب على مستشرف له، فجاءه / أعرابيّ من بني هلال، فاشتكى واستماح بكلام فصيح ولفظ مثله يعطف المسؤول⁣(⁣٥)، فقال له جعفر بن يحيى: أتقول الشعر يا هلاليّ؟ فقال:

  قد كنت أقوله وأنا حدث أتملَّح به، ثم تركته لمّا صرت شيخا، قال: فأنشدنا لشاعركم حميد بن ثور، فأنشده قوله:

  لمن الدّيار بجانب الحمس ... كمحطَّ ذي الحاجات بالنّفس

  حتى أتى على آخرها، فاندفع أشجع، فأنشده مديحا له فيه قاله لوقته على وزنها وقافيتها، فقال:

  ذهبت مكارم جعفر وفعاله ... في النّاس مثل مذاهب الشمس

  ملك تسوس له المعالي نفسه ... والعقل خير سياسة النّفس

  فإذا تراءته الملوك تراجعوا ... جهر الكلام بمنطق همس

  ساد البرامك جعفر وهم الألى ... بعد الخلائف سادة الإنس

  ما ضرّ من قصد ابن يحيى راغبا ... بالسّعد حلّ به أم النّحس


(١) المرغاب: ضيعة.

(٢) ف: «من الرشيد».

(٣) في ف، بيروت: أعصل.

(٤) ف: «أحمد بن محمد بن حدان».

(٥) ف: «فشكى واستماح بلفظ لطيف فصيح، وكلام مثله يعطف المسؤول».