أخبار ابن مفرغ ونسبه
  ابن مفرّغ، وقال لرجل من لخم كان إلى جنبه قوله:
  ألا ليت اللَّحى كانت حشيشا ... فنعلفها خيول المسلمينا(١)
  فسعى به اللَّخميّ إلى عبّاد، فغضب من ذلك غضبا شديدا، وقال: لا يجمل بي عقوبته في هذه الساعة(٢) مع الصحبة لي، وما أؤخّرها إلا لأشفي نفسي منه لأنه كان يقوم فيشتم أبي في عدّة مواطن، وبلغ الخبر ابن مفرّغ فقال:
  إني لأجد ريح الموت من عبّاد.
  يطلب من عباد الإذن في الرجوع
  ثم دخل عليه فقال له: أيّها الأمير، إني كنت مع سعيد بن عثمان، وقد بلغك رأيه فيّ، ورأيت جميل أثره عليّ، وإنّي اخترتك عليه، فلم أحظ منك بطائل(٣)، وأريد أن تأذن لي في الرّجوع، فلا حاجة لي في صحبتك، فقال له: أمّا اختيارك إيّاي فإني اخترتك كما اخترتني، واستصحبتك حين سألتني، وقد أعجلتني عن / بلوغ محبّتي فيك، وقد طلبت الإذن(٤) لترجع إلى قومك، فتفضحني فيهم(٥)، وأنت على الإذن قادر بعد أن أقضي حقّك، فأقام. وبلغ عبّادا أنه يسبّه ويذكره وينال من عرضه، وأجرى عبّاد الخيل فجاء سابقا، فقال ابن مفرّغ:
  سبق عبّاد وصلَّت(٦) لحيته
  عباد يحبسه بدين عليه ويبيعه الأراكة وبردا
  وطلب عليه العلل، ودسّ إلى قوم كان لهم عليه دين، فأمرهم أن يقدموه إليه، ففعلوا، فحبسه وأضرّ به، فبعث إليه أن بعني الأراكة وبردا، وكانت الأراكة قينة لابن مفرّغ. وبرد غلامه، ربّاهما وكان شديد الضّنّ بهما، فبعث إليه ابن مفرّغ مع الرّسول: أيبيع المرء نفسه أو ولده؟ فأضرّ به عبّاد حتى أخذهما منه. هذه رواية مسلمة.
  وأمّا لقيط وعمر بن شبّة فإنهما ذكرا أنه باعهما عليه، فاشتراهما رجل من أهل خراسان. قال لقيط: فلمّا دخلا منزله قال له برد، وكان داهية أريبا: أتدري ما اشتريت؟ قال: نعم، اشتريتك وهذه الجارية. قال: لا واللَّه ما اشتريت إلَّا العار والدّمار والفضيحة أبدا ما حييت، فجزع الرجل وقال له: كيف ذلك؟ ويلك! قال: نحن ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ، واللَّه ما أصاره إلى هذه الحال إلا لسانه وشرّه، أفتراه يهجو / ابن زياد - وهو أمير خراسان، وأخوه أمير العراقين، وعمّه الخليفة - في أن استبطأه ويمسك عنك، وقد ابتعتني وابتعت هذه الجارية وهي نفسه التي بين جنبيه؟ واللَّه ما أرى أحدا أدخل بيته أشأم على نفسه وأهله مما أدخلته منزلك، فقال: فاشهد أنّك وإيّاها له، فإن شئتما أن تمضيا إليه فامضيا، على أنّي أخاف على نفسي إن بلغ ذلك ابن زياد، وإن شئتما أن تكونا له عندي فافعلا، قال: فاكتب إليه بذلك. فكتب الرجل إلى ابن مفرّغ في الحبس بما فعله، فكتب إليه يشكر فعله، وسأله أن يكونا عنده حتى يفرّج اللَّه عنه.
(١) في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ١/ ٣١٩، ف:
«فنعلفها دواب المسلمينا»
(٢) ب، مد: «في هذه السرعة».
(٣) ب: «فلم أحل منك بطائل».
(٤) ب، س: «الآن».
(٥) ف: «ففضحني قبلهم».
(٦) صلت: جاءت تالية.