كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 439 - الجزء 18

  وما كنت حجّاما ولكن أحّلني ... بمنزلة الحجّام نأيي عن الأصل⁣(⁣١)

  فقال الحصين: واللَّه لقد أساء إلينا أمير المؤمنين في صاحبنا مرّتين، إحداهما أنه هرب إليه فلم يجره، وأخرى أنّه أمر بعذابه غير مراقب لنا فيه، وقال يزيد بن أسد: إنّي لأظن أنّ طاعتنا ستفسد ويمحوها ما فعل⁣(⁣٢) بابن مفرّغ، ولقد تطلَّع من نفسي شيء، للموت أحبّ إليّ منه. وقال مخرمة بن شرحبيل: أيها الرّجلان، اعقلا فإنه لا معاوية لكما⁣(⁣٣)، واعرفا أنّ صاحبكما لا تقدح فيه الغلظة، فاقصدا التّضرّع، فركب القوم إلى دمشق / وقدموا على يزيد بن معاوية، وقد سبقهم الرّجل، فنادى بذلك الشّعر يوم الجمعة على درج مسجد دمشق، فثارت اليمانية وتكلَّموا، ومشى بعضهم إلى بعض، وقدم وفد القرشيّين في أمره مع طلحة الطَّلحات، فسبقوا القرشيّين، ودخلوا على يزيد بن معاوية، فتكلم الحصين بن نمير، فذكر بلاءه وبلاء قومه وطاعتهم، وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ الذي أتاه ابن زياد إلى صاحبنا، لا قرار عليه، وقد سامنا عبيد اللَّه وعبّاد خطَّة خسف، وقلَّدانا قلادة عار، فأنصف / كريمنا من صاحبه، فو اللَّه لئن قدرنا لنعفونّ، ولئن ظلمنا لننتصرنّ. وقال يزيد بن أسد: يا أمير المؤمنين، إنّا لو رضينا بمثلة ابن زياد بصاحبنا وعظيم ما انتهك منه، لم يرض اللَّه عزّ ذكره بذلك⁣(⁣٤) ولئن تقرّبنا إليك بما يسخط اللَّه ليباعدنّنا اللَّه منك، وإن يمانيّتك قد نفرت لصاحبها نفرة طار غرابها، وما أدري متى يقع، وكلّ نائرة⁣(⁣٥) تقدح في الملك وإن صغرت لم يؤمن أن تكبر، وإطفاؤها خير من إضرامها لا سيما إذا كانت في أنف لا يجدع، ويد لا تقطع، فأنصفنا من ابني زياد⁣(⁣٦).

  وقال مخرمة بن شرحبيل، وكان متألَّها عظيم الطاعة في أهل اليمن: إنه لا يد تحجزك⁣(⁣٧) عن هواك، ولو مثّلت بأخينا وتولَّيت ذلك منه بنفسك لم يقم فيه قائم ولم يعاتبك فيه معاتب، ولكنّ ابني زياد استخفّانا⁣(⁣٨) بما يثقل عليك من حقّنا، / وتهاونا بما تكرمه منّا، وأنت بيننا وبين اللَّه،⁣(⁣٩) ونحن بينك وبين الناس⁣(⁣٩)، فأنصفنا من صاحبيك، ولينفعنا بلاؤنا عندك.

  فقال يزيد: إنّ صاحبكم أتى عظيما؛ نفى زيادا من أبي سفيان، ونفى عبّادا وعبيد اللَّه من زياد، وقلَّدهم طوق الحمامة، وما شجّعه على ذلك إلا نسبه فيكم، وحلفه في قريش، فأمّا إذ بلغ الأمر ما أرى، وأشفى بكم على ما أشفى، فهو لكم، وعليّ رضاكم.

  وفد القرشيين يقابل يزيد بن معاوية

  قال: وانتهى القرشيّون إلى الحاجب فاستأذن لهم، وقال لليمانيّين: قد أتتكم برى الذهب من أهل العراق،


(١) ف: «الأهل».

(٢) ف: «ما صنع».

(٣) يشير إلى حلم معاوية الذي مات، وغضب يزيد.

(٤) ف: «لم يرض اللَّه عمّن رضي بذلك».

(٥) النائرة: العداوة والشحناء.

(٦) ف: «ابن زياد».

(٧) في ب، مد: «إنه لا يدع تحجزك عن هواك دون اللَّه ولو مثلت ... الخ».

(٨) ف: «استخفا بما يثقل عليك من حقنا».

(٩ - ٩) التكملة من ف.