كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 440 - الجزء 18

  فدخلوا وسلَّموا والغضب يتبيّن⁣(⁣١) في وجوههم، فظنّ يزيد الظنون، وقال لهم: ما لكم؟ انفتق فتق أو حدث حدث فيكم؟ قالوا: لا، فسكن.

  فقال طلحة الطَّلحات:

  يا أمير المؤمنين، أما كفى العرب ما لقيت من زياد، حتى استعملت عليها ولده يستكثرون لك أحقادها، ويبغّضونك إليها، إنّ عبيد اللَّه وأخاه أتيا إلى ابن مفرّغ ما قد بلغك، فأنصفنا منهما إنصافا تعلم العرب أنّ لنا منك خلفا من أبيك، فو اللَّه، لقد خبأ لك فعلهما خبئا عند أهل اليمن لا تحمده لك، ولا تحمده لنفسك.

  وتكلَّم خالد بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد فقال:

  يا أمير المؤمنين، إنّ زيادا ربّي في شرّ حجر، ونشأ في أخبث نشء، فأثبتّم نصابه في قريش، وحملتموه⁣(⁣٢) على رقاب الناس، فوثب ابناه على أخينا وحليفنا / وحليفك، ففعلا به الأفاعيل التي بلغتك، وقد غضبت له قريش الحجاز ويمن الشّأم ممّن لا أحبّ واللَّه لك غضبه، فأنصفنا من ابني زياد.

  وتكلم أخوه أميّة بنحو ممّا تكلم أخوه وقال:

  واللَّه يا أمير المؤمنين لا أحطَّ رحلي، ولا أخلع ثياب سفري، أو تنصفنا من ابني زياد، أو تعلم العرب أنك قد قطعت أرحامنا، ووصلت ابني زياد بقطعنا، وحكمت بغير الحقّ لهما علينا.

  وقال ابن معمر: يا أمير المؤمنين، إنّ ابن مفرّغ طالما ناضل عن عرضك وعرض أبيك وأعراض قومك، ورمى عن جمرة أهلك، وقد أتى بنو زياد فيه ما لو كان معاوية حيّا لم يرض به، وهذا رجل له شرف في قومه، وقد نفروا له نفرة لها ما بعدها، فأعتبهم وأنصف الرجل⁣(⁣٣) ولا تؤثر مرضاة ابني زياد على مرضاة اللَّه ø.

  يزيد يرحب بالوفدين ويرسل من يطلق ابن مفرغ

  فقال يزيد: مرحبا بكم وأهلا، واللَّه لو أصابه خالد ابني بما ذكرتم لأنصفته منه، ولو رحلتم في جميع ما تحيط به العراق لوهبته لكم، وما عندي إلا إنصاف المظلوم، ولكنّ صاحبكم / أسرف على القوم. وكتب يزيد ببناء داره، وردّ ماله وتخلية سبيله، وألَّا إمرة لأحد من بني زياد عليه، وقال: لولا أنّ في القود بعد ما جرى منه فسادا في الملك لأقدته من عبّاد.

  وسرّح يزيد رجلا من حمير يقال له خمخام، وكتب معه إلى عبّاد بن زياد: نفسك نفسك وأن تسقط من ابن مفرّغ شعرة فأقيدك واللَّه به، ولا سلطان لك ولا لأخيك ولا لأحد غيري عليه، فجاء خمخام حتى انتزعه جهارا من الحبس⁣(⁣٤) بمحضر الناس وأخرجه.

  دخوله على يزيد وما دار بينهما

  قالوا: فلما دخل على يزيد قال له: يا أمير المؤمنين، اختر منّي خصلة من ثلاث خصال، في كلَّها لي فرج،


(١) ف: «بيّن».

(٢) ب، مد، ما: «فأثبتهم نصابه في قريش وحملت ... الخ».

(٣) ف: «فأعنهم وأنصفهم من الرجل».

(٤) ب، ما، مد: «من المجلس».