كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مفرغ ونسبه

صفحة 441 - الجزء 18

  إما أن تقيدني من ابن زياد، وإما أن تخلَّي بيني وبينه، وإما أن تقدّمني فتضرب عنقي.

  فقال له يزيد: قبّح اللَّه ما اخترته وخيّرتنيه⁣(⁣١)؛ أما القود من ابن زياد فما كنت لأقيدك من عامل كان عليك، ظلمته وشتمت عرضه وعرضي معه، وأما التّخلية بينك وبينه فلا، ولا كرامة، ما كنت لأخلَّي بينك وبين أهلي تقطع أعراضهم، وأما ضرب عنقك، فما كنت لأضرب عنق مسلم من غير أن يستحقّ ذلك، ولكني أفعل ما هو خير لك مما اخترته لنفسك؛ أعطيك ديتك، فإنهم قد عرّضوك للقتل، واكفف عن ولد زياد، فلا يبلغني أنك ذكرتهم، وانزل أيّ البلاد شئت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.

  اعتذاره لعبيد اللَّه بن زياد

  فخرج حتى أتى الموصل وأقام بها ما شاء اللَّه، ثم خرج ذات يوم يتصيّد، فلقي دهقانا على حمار له، فقال: من أين أقبلت؟ قال: من العراق، قال: من أيّها؟ قال: من البصرة، ثم من الأهواز⁣(⁣٢)، قال: فما فعل المسرقان⁣(⁣٣)؟ قال: على حاله، قال: أفتعرف أناهيد بنت أعنق؟ قال: نعم، قال: ما فعلت؟ قال: على أحسن ما عهدت.

  قال: فضرب برذونه وسار حتى أتى الأهواز، ولم يعلم أهله ولا غيرهم بمسيره.

  ثم أتى عبيد اللَّه بن زياد، فدخل عليه واعتذر إليه، وسأله الأمان فأمّنه، ثم سأله أن يكتب له إلى شريك بن الأعور، فكتب له ووصله.

  عودته إلى البصرة وهجاؤه بني زياد

  وخرج فأقام بكرمان حتى غلب ابن الزّبير على العراق، وهرب ابن زياد / وكان أهل البصرة قد أجمعوا على قتله، فخرج عن البصرة هاربا، فعاد ابن مفرّغ إلى البصرة، وعاود هجاء بني زياد، فقال يذكر هرب عبيد اللَّه وتركه⁣(⁣٤) أمّه بقوله:

  أعبيد هلَّا كنت أوّل فارس ... يوم الهياج دعا بحتفك داع

  أسلمت أمّك والرّماح تنوشها ... يا ليتني لك ليلة الإفزاع

  إذ تستغيث وما لنفسك مانع ... عبد تردّده بدار ضياع

  هلَّا عجوزك إذ تمدّ بثديها ... وتصيح ألَّا تنزعنّ قناعي

  أنقذت من أيدي العلوج كأنها ... ربداء مجفلة ببطن القاع⁣(⁣٥)

  فركبت رأسك ثم قلت: أرى العدا ... كثروا وأخلف موعدي أشياعي⁣(⁣٦)

  فانجي بنفسك وابتغي نفقا فما ... لي طاقة⁣(⁣٧) بك والسلام وداعي


(١) ف: «وخيرته».

(٢) ب، ما، مد: «من الإيوان».

(٣) المشرقان: نهر بخوزستان عليه عدة قرى («معجم البلدان»).

(٤) ف: «ويذكر أمه».

(٥) «المختار»، ف: «من أيدي العبيد». والربداء: السوداء الضاربة إلى الغبرة. يشبهها بالنعامة. وفي ف: «ربداء مخلفة».

(٦) ب: «وأخلف موعد الأشياع».

(٧) ف، «المختار»: «لي حيلة».