كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الزبير بن دحمان

صفحة 456 - الجزء 18

  قال أبو إسحاق: فاستحسن الرّشيد الشّعر والغناء، وأمر له بألف دينار فدفعت إليه، ومكث ساعة ثم غنّى صوتا ثانيا وهو:

  صوت

  وأحور كالغصن يشفي السّقام ... ويحكي الغزال إذا مارنا

  شربت المدام على وجهه ... وعاطيته الكأس حتى انثنى

  وقلت مديحا أرجّي به ... من الأجر حظَّا ونيل الغنى

  وأعني بذاك الإمام الذي ... به اللَّه أعطى العباد المنى

  / لحن هذا الصوت ثاني ثقيل مطلق.

  قال: فما فرغ من الصّوت حتى أمر له بألف دينار آخر فقبضه، وخفّ على قلبه واستظرفه، فأغناه في مدّة يسيرة من الأيّام.

  يغني الرشيد بشعر يزيد ندمه على ما فعله بالبرامكة

  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدثني أبو توبة، عن القطرانيّ، عن محمد بن حبيب قال:

  كان الرّشيد بعد قتله البرامكة شديد الأسف عليهم، والتّندّم / على ما فعله بهم، ففطن لذلك الزّبير بن دحمان، فكان يغنّيه في هذا المعنى ويحرّكه، فغنّاه يوما والشعر لامرأة من بني أسد:

  من للخصوم إذا جد الخصام بهم ... يوم النّزال ومن للضّمّر القود⁣(⁣١)

  وموقف قد كفيت النّاطقين به ... في مجمع من نواصي النّاس مشهود⁣(⁣٢)

  فرّجته بلسان غير ملتبس ... عند الحفاظ وقول غير مردود⁣(⁣٣)

  فقال له الرّشيد: أعد، فأعاد، فقال له: ويحك! كأن قائل هذا الشّعر يصف به يحيى بن خالد، وجعفر بن يحيى، وبكى حتى جرت دموعه، ووصل الزّبير صلة سنيّة.

  إسحاق يفضّل الزبير على أبيه وأخيه في الغناء

  أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد قال:

  كان أبي يقول: ما كان دحمان يساوي على الغناء أربعمائة درهم، وأشبه خلق اللَّه به غناء ابنه عبيد اللَّه، وكان يفضّل الزبير بن دحمان على أبيه وأخيه⁣(⁣٤) تفضيلا بعيدا. وفي الزبير يقول إسحاق وله فيه غناء وهو:


(١) ف: «يوم الجدال» بدل «يوم النزال». والقود جمع أقود، وهو من الخيل الذلول المنقاد، أو الشديد العنق لقلة التفاته.

(٢) نواصي الناس: أشرافهم والمتقدمون منهم.

(٣) ف: «بلسان غير مشتبه». وفي «المختار»، ف: «وقلب غير مزؤد».

(٤) ب: «وإخوته».