كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الزبير بن دحمان

صفحة 458 - الجزء 18

  حرام عليّ الكأس ما دمت غضبانا ... وما لم يعد عنّي رضاك كما كانا

  فأحسن فإنّي قد أسأت ولم تزل ... تعوّدني عند الإساءة إحسانا

  قال: وأنشدته إياهما، فضحك ورضي عنّي، وعاد إلى ما كان عليه.

  وأخبرني الحسين⁣(⁣١) بن يحيى، عن حمّاد، عن أبيه بهذا الخبر، فذكر نحو ما ذكره الآخران⁣(⁣٢) وزاد فيه:

  وقلت في عون حاجبه:

  عون يا عون ليس مثلك عون ... أنت لي عدّة إذا كان كون

  لك عندي واللَّه إن رضي الفض ... ل غلام يرضيك أو برذون

  فأتى عون الفضل بالشّعرين جميعا، فلما قرأهما ضحك وقال له: ويلك إنما عرّض لك بقوله: «غلام يرضيك» بالسّوأة، فقال: قد وعدني ما سمعت، فإن شئت أن تحرمنيه فأنت أعلم، فأمره أن يرسل إليّ وأتاني رسوله، فصرت إليه ورضي عنّي.

  إسحاق والزبير يحكمان حبشيّا في غنائهما

  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني محمد بن عبد اللَّه بن مالك، قال:

  حدّثني إسحاق، قال:

  كان عندي الزّبير بن دحمان يوما، فغنّيت لحن أبي⁣(⁣٣):

  أشاقك من أرض العراق طلول ... تحمّل منها جيرة وحمول!

  فقال لي الزّبير: أنت الأستاذ وابن الأستاذ السيد، وقد أخذت عن أبيك هذا الصوت وأنا أغنّيه أحسن، فقلت له: واللَّه إني لا أحبّ أن يكون ذلك كذلك⁣(⁣٤) فغضب وقال: فأنا واللَّه أحسن غناء منك. وتلاحينا طويلا، فقلت له:

  هلمّ نخرج إلى صحراء الرّقّة، فيكون أكلنا وشربنا هناك، ونرضى في الحكم بأول من يطلع علينا، قال: أفعل.

  فأخرجنا طعامنا وشرابنا وجلسنا نشرب على الفرات، فأقبل حبشيّ يحفر الأرض بالبال⁣(⁣٥)، فقلت له: أترضى بهذا قال: نعم، فدعوناه فأطعمناه وسقيناه، وبدرني الزبير بالغناء، فغنّى الصوت، فطرب الحبشيّ وحرّك رأسه حتى طمع الزبير فيّ، ثم أخذت العود فغنيته فتأملني الحبشيّ ساعة ثم صاح، وأيّ شيطان هوه! ومدّ بها صوته، فما أذكر أنّي ضحكت مثل ضحكي يومئذ، وانخزل الزّبير.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  شعر لأبي العتاهية يمدح به الفضل بن الربيع وفيه غناء


(١) ب: «الحسن بن يحيى».

(٢) ب: «الآخر».

(٣) ب: «لحن إسحاق».

(٤) ب: «واللَّه إني لأحب».

(٥) البال: ما يعتمل به في أرض الزرع. وفي ب: «بالناب».