كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مخارق وأخباره

صفحة 480 - الجزء 18

  يبكي ويقول: أنا مولى هذا الصّوت، فقلت له: وكيف ذاك يا أبت؟ فقال: غنّيته مولاي الرّشيد فبكى وشرب عليه رطلا، ثمّ قال: أحسنت يا مخارق فسلني حاجتك، فقلت: أن تعتقني يا أمير المؤمنين أعتقك اللَّه من / النّار، فقال: أنت حرّ لوجه اللَّه، فأعد الصوت، فأعدته فبكى وشرب رطلا ثم قال: أحسنت يا مخارق فسلني حاجتك، فقلت: ضيعة تقيمني غلَّتها، قال: قد أمرت لك بها، أعد الصوت، فأعدته فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت:

  يا أمير المؤمنين تأمر لي بمنزل وفرش وخادم، قال: ذلك لك، أعد الصّوت، فأعدته، فبكى وقال: سل حاجتك، فقبّلت الأرض بين يديه وقلت: حاجتي أن يطيل اللَّه بقاءك ويديم عزّك ويجعلني من كلّ سوء فداءك، فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي.

  المأمون يسأل إسحاق عنه وعن إبراهيم بن المهدي⁣(⁣١)

  وذكر محمد بن الحسن الكاتب أنّ أبان بن سعيد حدّثه:

  أنّ المأمون سأل إسحاق، عن إبراهيم بن المهديّ ومخارق فقال: يا أمير المؤمنين إذا تغنّى إبراهيم بن المهديّ بعلمه فضل مخارقا، وإذا تغنّى مخارق بطبعه وفضل صوته فضل إبراهيم، فقال له: صدقت⁣(⁣١).

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثنا المبرد بهذا الخبر فقال: حدّثني بعض حاشية السلطان:

  أنّ إبراهيم الموصليّ غنّى الرّشيد يوما هذا الصوت فأعجب به وطرب له واستعاده مرارا، فقال له: فكيف لو سمعته من عبدك مخارق، فإنّه أخذه عنّي وهو يفضل فيه الخلق جميعا ويفضلني، فدعا بمخارق فأمره أن يغنّيه، وذكر باقي الخبر مثل الذي تقدّم.

  كناه الرشيد أبا لنهنأ لإحسانه في الغناء

  أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدثنا ابن أبي الدّنيا، عن إسحاق بن محمد النّخعيّ، عن الحسين بن الضّحّاك، عن مخارق:

  أن الرّشيد قال يوما للمغنّين وهو مصطبح، من منكم يغنّي⁣(⁣٢):

  يا ربع سلمى لقد هيّجت لي طربا

  / فقمت فقلت: أنا يا أمير المؤمنين، فقال: هاته، فغنّيته، فطرب وشرب ثم قال: عليّ بهرثمة بن أعين، فقلت في نفسي: ما يريد منه؟ فجاؤوا بهرثمة، فأدخل إليه وهو يجرّ سيفه، فقال له: يا هرثمة، مخارق الشّاري⁣(⁣٣) الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنّأ، فقال: انصرف، فانصرف، ثم أقبل عليّ وقال: قد كنيتك أبا المهنأ لإحسانك، وأمر لي بمائة ألف درهم، فانصرفت بها وبالكنية.

  الواثق يعذر غلمانه حين تركوا قصره وذهبوا لسماع غنائه

  أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثني عليّ بن محمد بن نصر البسّاميّ، قال: حدّثني خالي أبو عبد اللَّه بن حمدون، قال:


(١) - (١) هذا الخبر ساقط من ف.

(٢) ف: «يغنيني».

(٣) الشاري: من يبيع نفسه في طاعة اللَّه، واحد الشراة. والشراة: فرقة من الخوارج.