ذكر مخارق وأخباره
  صوت
  ماذا تقول الظَّباء ... أفرقة أم لقاء!
  أم عهدها بسليمى ... وفي البيان شفاء!
  مرّت بنا سانحات ... وقد دنا الإمساء
  فما أحارت جوابا ... وطال فيها(١) العناء
  في هذه الأبيات ليحيى المكَّيّ ثقيل أول بالوسطى.
  قال: فعطفت الظَّباء راجعة إليه حتى وقفت بالقرب منه، مستشرفة تنظر إليه مصغية تسمع صوته، فعجب من حضر من رجوعها ووقوفها، وناوله الرّجل القوس فأخذها وقطع الغناء، فعاودت الظَّباء نفارها، ومضت راجعة على سننها(٢).
  غنى وسط دجلة فتسابق الناس لسماعه
  قال ابن المكَّيّ: وحدّثني رجل من أهل البصرة كان يألف مخارقا ويصحبه، قال:
  كنت(٣) معه مرّة في طيّار ليلا وهو سكران، فلما توسّط دجلة اندفع بأعلى صوته فغنّى، فما بقي أحد في الطَّيّار من ملَّاح ولا غلام ولا خادم إلا بكى من رقّة صوته، ورأيت الشّمع والسّرج من جانبي دجلة في صحون القصور والدّور يتساعون بين يدي أهلها(٤) يستمعون غناءه.
  ابن الأعرابي يستكثر الهبة التي أخذها لشعر غناه
  حدّثني الصّوليّ، قال: حدثني محمد بن عبد اللَّه التّميميّ الحزنبل، قال:
  كنا في مجلس ابن الأعرابيّ إذ أقبل رجل من ولد سعيد بن سلم كان يلزم ابن الأعرابيّ، وكان يحبّه ويأنس به، فقال له: ما أخّرك عنّي؟ فاعتذر بأشياء منها أنه قال: كنت مع مخارق عند بعض بني الرّشيد، فوهب له مائة ألف درهم على صوت غنّاه إياه، فاستكثر(٥) ابن الأعرابيّ ذلك واستهوله، وعجب منه وقال له: بأيّ شيء غنّاه؟
  قال: غنّاه بشعر العبّاس بن الأحنف:
  صوت
  بكت عيني لأنواع ... من الحزن وأوجاع
  وإني كلّ يوم عن ... دكم يحظى بي السّاعي
  فقال ابن الأعرابيّ: أمّا الغناء فما أدري ما هو، ولكن هذا واللَّه كلام قريب مليح.
(١) ف: «وطال منها».
(٢) السنن: الطريقة.
(٣) ف، ما: «ركبت معه في طيار ... الخ». والطيار: القارب السريع.
(٤) يتساعون بين يدي أهلها: يتسابقون.
(٥) ف: «فاستكبر ذلك ابن الأعرابي واستهاله».