ذكر مخارق وأخباره
  فقال: نعم يا سيّدي، فقال: هاته، فغنّاه، فعبس في وجهه وبسر(١) وقال: قبّحك اللَّه، أتغنّي هذا هكذا! ثمّ أقبل عليّ فقال: أتغنّيه يا مخارق؟ فقلت: نعم يا سيّدي، وعلمت أنه أراد أن يستقيد(٢) لي من علَّوية ويرفع مني، وإلا فما أتى علَّوية بما يعاب فيه، فغنّيته، فطرب وشرب رطلا، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وفعل ذلك ثلاث مرّات كما فعل به.
  ثمّ أمر بالانصراف فانصرفنا، وما عاودت بعد ذلك مؤاكلة خليفة إلى وقتنا هذا.
  نسبة ما في هذا الخبر من الغناء
  صوت
  استقبلت ورق الرّيحان تقطفه ... وعنبر الهند والورديّة الجددا
  ألست تعرفني في الحيّ جارية ... ولم أخنك ولم تمدد إليّ يدا
  الشعر - فيما يقال - لعمر بن أبي ربيعة، والغناء للغريض خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وأصله يماني، وفيه لابن جامع هزج.
  صوت
  أقول التماس العذر لما ظلمتني ... وحمّلتني ذنبا وما كنت مذنبا
  هبيني أمرأ إمّا بريئا ظلمته ... وإمّا مسيئا قد أناب وأعتبا(٣)
  الشعر للأحوص، والغناء لمالك خفيف رمل بالوسطى عن عمرو.
  صوت
  ألم تقولي: نعم، قالت: أرى وهما ... منّي وهل يؤخذ الإنسان بالوهم!
  قولي: نعم، إنّ «لا» - إن قلت - قاتلتي ... ماذا تريدين من قتلي بغير دم!
  الغناء لسياط خفيف رمل بالبنصر عن عمرو، ولم يقع إليّ لمن الشّعر.
  يتنافس هو وعلوية في غناء صوت فيسبق علوية
  قال هارون: وحدّثني أبو معاوية الباهليّ، قال:
  حضرت علَّوية ومخارقا مجتمعين في مجلس، فغنّى علوية صوتا فأحسن فيه وأجاده، فأعاده مخارق وبرّز عليه وزاد، فردّه علَّوية وتعمّل فيه واجتهد فزاد على مخارق، فجثا مخارق على ركبتيه وغنّاه وصاح فيه حتى اهتزّ منكباه، فما ظننّا إلا أنّ الأرض قد زلزلت بنا، وغلب واللَّه ما سمعنا على عقولنا، ونظرت إلى لون علَّوية وقد امتقع
(١) بسر: أظهر العبوس.
(٢) يستقيد لي: يأخذ لي بثأري.
(٣) أعتبه: أرضاه بعد العتاب.