ذكر مخارق وأخباره
  وطار دمه، فلمّا فرغ مخارق توقّعنا أن يغنّي علَّوية، فما فعل ولا غنّى بقية يومه. قال: وكان مخارق إذا صاح قطع أصحاب النايات.
  سأله الأمين أن يغنيه أصواتا فلم يحسن فأرسله إلى إسحاق ليعلمه
  أخبرني وسواسة بن الموصليّ، وهو أحمد(١) بن إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق، قال:
  قال لي مخارق: دعاني يوما محمد المخلوع فدخلت عليه وعنده إبراهيم بن المهديّ، فقال: غنّني يا مخارق، فغنّيته أصواتا عديدة، فلم يطرب لها وقال: هذا كله معاد، فغنّني:
  لقد أزمعت للبين هند زيالها(٢)
  فقلت: لا واللَّه ما أحسنه، فقال: غنّني:
  لا والذي نحرت له البدن
  / فقلت: لا واللَّه ما أحسنه، فقال: غنّني:
  يا دار سعدى سقى أطلالك الدّيما
  فقلت: لا واللَّه لا أحسنه، فغضب، وقال: ويلك! أسألك عن ثلاثة أصوات فلا تحسن منها واحدا! فقال له إبراهيم بن المهديّ: وما ذنبه؟ إسحاق أستاذه وعليه يعتمد، وهو يضايقه(٣) في صوت يعلَّمه إياه، فقلت: قد واللَّه صدق، ما يعطيني شيئا ولا يعلَّمنيه، قال: فما دواؤه؟ فقد واللَّه أعياني، فقال له إبراهيم: توكَّل به من يصبّ على رأسه العذاب حتى يعلَّمه مائة صوت، قال: أمّا هذا فبعيد، ولكن اذهب إليه عني فمره أن يعلَّمك هذه الثلاثة الأصوات، فإن فعل وإلا فصبّ السّوط على رأسه حتى يعلَّمك.
  يذهب إلى إسحاق ليعلمه فيكله إلى جارية له
  فدخلت إلى إسحاق، فجلست بغير أمره، وسلَّمت سلاما منكرا. ثم أقبلت عليه فقلت: يأمرك أمير المؤمنين أن تعلَّمني كذا وكذا قال: ما أحسنه، فقلت: إني أنفّذ فيك ما أمرني به، فقال: تنفّذ فيّ ما أمرت به، ألا تستحي ويحك مني ومن تربيتي إياك! قلت: فلا بدّ من أن تعلَّمني ما أمرك به أمير المؤمنين، قال: فإني لست أحسنه ولكن فلانة تحسنه، هاتوها. فجاءت وجعلت تطارحني حتى أخذت الأصوات الثّلاثة، وجعل كل من جاء يومئذ لا يحجبه ليروني وجاريته تطارحني.
  فلمّا أخذت الأصوات رجعت إلى محمد وأخبرته الخبر وحضر إسحاق، فغنّيته إياها، فطرب، وجعل إبراهيم بن المهديّ يقول: أحسن واللَّه، أحسن واللَّه، فلما فرغت قال إسحاق: لا واللَّه ما أحسن ولا أصاب هو ولا إبراهيم في استحسانه، ولقد جهدت الجارية جهدها أن يأخذه عنها فلم يتوجّه له، ثم اندفع فغنّاها، فكأني واللَّه كنت ألعب عندما سمعت.
  / ثم أقبل على إبراهيم بن المهديّ فقال له: كم أقول لك: ليس هذا من علمك ولا ممّا تحسنه وأنت تكابر
(١) ف: «وهو ابن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم».
(٢) ف: «زوالها».
(٣) س: «وهو يطابقه».