كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي محجن ونسبه

صفحة 7 - الجزء 19

  صوت

  صاحبا سوء صحبتهما ... صاحباني يوم أرتحل

  ويقولان: ارتحل معنا ... فأنادي⁣(⁣١): إنّني ثمل

  إنّني باكرت مترعة ... مزّة راووقها خضل⁣(⁣٢)

  / الغناء في البيتين الأخيرين لنشو خفيف رمل وأوله:

  ويقولان اصطبح معنا

  قال الأصبهانيّ: وهذه القصة كانت لأبي محجن في يوم من أيّام حرب القادسية يقال له: يوم أرماث، وكانت أيّامها المشهورة يوم أغواث ويوم أرماث ويوم الكتائب وخبرها يطول جدّا؛ وليس في كلَّها كان لأبي محجن خبر، وإنما ذكرنا هاهنا خبره، فذكرنا منها ما كان اتّصاله بخبر أبي محجن.

  حدّثنا بذلك محمد بن جرير الطَّبريّ، قال: كتب إليّ السّريّ بن يحيى؛ يذكر عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن طلحة وزياد وابن مخراق، عن رجل من طيئ قال:

  لمّا كان يوم الكتائب اقتتل المسلمون والفرس منذ أصبحوا إلى أن انتصف النّهار، فلما غابت⁣(⁣٣) الشّمس تزاحف الناس فاقتتلوا حتى انتصف اللَّيل؛ وهذه اللَّيلة الَّتي كان في صبيحتها يوم أرماث، وقد كان المسلمون يوم أغواث أشرفوا على الظَّفر وقتلوا عامّة أعلام الفرس، وجالت خيلهم في القلب، فلو لا أنّ رجلهم⁣(⁣٤) ثبتوا حتى كرّت الخيل لكان رئيسهم قد أخذ؛ لأنه كان ينزل عن فرسه؛ ويجلس على سريره، ويأمر النّاس بالقتال؛ قالوا: فلمّا انتصف اللَّيل تحاجز الناس، وبات المسلمون ينتمون منذ لدن أمسوا.

  وسمع ذلك سعد فاستلقى لينام، وقال لبعض من عنده: إن تمّ الناس على الانتماء فلا توقظني فإنهم أقوياء على عدوّهم؛ وإن سكتوا وسكت العدو فلا تنبّهني فإنهم على السواء؛ وإن سمعت العدوّ ينتمون وهؤلاء سكوت فأنبهني فإن انتماء العدوّ من السّوء.

  / قالوا: ولما اشتدّ القتال في تلك الليلة، وكان أبو محجن قد حبسه سعد بكتاب عمر، وقيّده فهو في القصر، صعد أبو محجن إلى سعد يستعفيه ويستقيله، فزبره⁣(⁣٥) وردّه، فنزل فأتى سلمى بنت أبي حفصة فقال:

  يا بنت آل أبي حفصة، هل لك إليّ خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلَّين عنّي وتعيرينني البلقاء، فللَّه عليّ إن سلَّمني اللَّه أن أرجع إلى حضرتك حتى تضعي رجليّ في قيدي. فقالت: وما أنا وذاك؟ فرجع يرسف في قيوده ويقول:

  كفى حزنا أن تردي⁣(⁣٦) الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا


(١) في: ما، مج، س: «وأقول».

(٢) الراووق: الباطية أو الكأس، والخضل: المبتلّ النديّ.

(٣) ف: «فلما قامت الشمس».

(٤) الرجل: جمع الراجل وهو الماشي على رجليه.

(٥) زبره عن كذا: منعه ونهاه.

(٦) في ما، مج، المختار: «ترتدي». وردي الفرس: رجم الأرض بحوافره في سيره وعدوه.