كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أبي محجن ونسبه

صفحة 9 - الجزء 19

  شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا / امرؤ شاعر يدبّ الشّعر على لساني فينفثه⁣(⁣١) أحيانا، فحبسني لأني قلت:

  إذا متّ فادفنّي إلى أصل كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها

  ولا تدفننّي في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما متّ ألَّا أذوقها⁣(⁣٢)

  ليروى بخمر الحصّ⁣(⁣٣) لحمي فإنّني ... أسير لها من بعد ما قد أسوقها

  سعد بن أبي وقاص يعلم خبر إطلاقه وصدق قتاله فيفرج عنه

  قال: وكانت سلمى قد رأت في المسلمين جولة، وسعد بن أبي وقّاص في القصر لعلَّة كانت به، لم يقدر معها على حضور الحرب، وكانت قبله عند المثنّى بن حارثة الشّيبانيّ! فلما قتل خلف عليها سعد، فلما رأت شدّة البأس صاحت: وامثنّياه ولا مثنّى لي اليوم، فلطمها سعد، فقالت: أفّ لك، أجبنا وغيرة؟ وكانت مغاضبة لسعد عشيّة أرماث وليلة الهدأة وليلة السّواد، حتى إذا أصبحت أتته وصالحته، وأخبرته خبر أبي محجن، فدعا به وأطلقه وقال: اذهب فلست مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله، قال: لا جرم، واللَّه إني لا أجبت لساني إلى صفة قبيح أبدا.

  خرج مع سعد بن أبي وقاص لحرب الأعاجم

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، وحبيب بن نصر المهلبيّ، قالا: حدّثنا عمر بن شبّة، قال: حدّثنا محمد بن حاتم، قال: حدّثنا محمد بن حازم، قال: حدّثنا عمرو بن المهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه، وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمد بن الحسن بن دينار مولى بني هاشم، عن ابن الأعرابيّ عن المفضّل، وروايته أتمّ، قالوا:

  كان أبو محجن الثّقفيّ فيمن خرج مع سعد بن أبي وقّاص لحرب الأعاجم / فكان سعد يؤتى به شاربا فيتهدّده فيقول له: لست تاركها إلا للَّه ø؛ فأمّا لقولك فلا. قالوا: فأتي به يوم القادسيّة وقد شرب الخمر؛ فأمر به إلى القيد، وكانت بسعد جراحة فلم يخرج يومئذ إلى النّاس؛ فاستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، فلما التقى الناس قال أبو محجن:

  كفى حزنا أن تردي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا عليّ وثاقيا

  يقسم على ألا يشرب الخمر بعد أن عفا عنه سعد

  وذكر الأبيات وسائر خبره مثل ما ذكره محمد بن جرير، وزاد فيه: فجاءت زبراء امرأة سعد - هكذا قال:

  والصّحيح أنها سلمى - فأخبرت سعدا بخبره؛ فقال سعد: أما واللَّه لا أضرب اليوم رجلا أبلى اللَّه المسلمين على يده


(١) في تاريخ الطبري ٤ - ١٢٤ ط. الحسينية: «يبعثه على شفتي أحيانا فيساء لذلك ثنائي، ولذلك حبسني».

(٢) أذوقها مرفوعة باعتبار «أن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أو ضمير متكلم محذوف وجملة أذوقها خبر، وانظر «خزانة الأدب» ٣ - ٥٥٠ ط. بولاق.

(٣) الحص «بالضم» في اللغة الورس، وهو موضع بنواحي حمص ينسب إليه الخمر، وأورد ياقوت في ٢ - ٧٤، الأبيات الثلاثة، وجاء البيت الأخير برواية:

ويروى بخمر الحص لحدي فإنني ... أسير لها من بعد ما قد أسوقها

وهذه روايته أيضا في «تاريخ الطبري» ٣ - ٥٤٩ ط. المعارف.