ذكر أبي محجن ونسبه
  ما أبلاهم، فخلَّى سبيله، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ كان الحدّ يقام عليّ وأطَّهّر منها، فأما إذ بهرجتني(١) فلا واللَّه لا أشربها أبدا. وقال ابن الأعرابيّ في خبره: وقال أبو محجن في ذلك:
  إن كانت الخمر قد عزّت وقد منعت ... وحال من دونها الإسلام والحرج
  فقد أباكرها صرفا وأمزجها ... ريّا وأطرب أحيانا وأمتزج
  وقد تقوم على رأسي منعمّة ... خود إذا رفعت في صوتها غنج(٢)
  ترفّع الصّوت أحيانا وتخفضه ... كما يطنّ ذباب الرّوضة الهزج
  يرد على امرأة ظنت أنه فر من المعركة
  أخبرني الجوهريّ والمهلَّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة وقال:
  لمّا انصرف أبو محجن ليعود إلى محبسه رأته امرأة فظنّته منهزما؛ فأنشأت تعيّره بفراره:
  /
  من فارس كره الطَّعان يعيرني ... رمحا إذا نزلوا بمن الصّفّر
  فقال لها أبو محجن:
  إن الكرام على الجياد مبيتهم ... فدعي الرّماح لأهلها وتعطَّري
  يرثي أبا عبيد بن مسعود بعد أن قتله فيل الأعداء
  وذكر السّريّ، عن شعيب، عن سيف في خبره، ووافقته رواية ابن الأعرابي عن المفضّل:
  أنّ النّاس لمّا التقوا مع العجم يوم قس النّاطف، كان مع الأعجام فيل يكرّ عليهم، فلا تقوم له الخيل؛ فقال أبو عبيد بن مسعود: هل له مقتل؟ فقيل له: نعم؛ خرطومه إلا أنّه لا يفلت منه من ضربه؛ قال: فأنا أهب نفسي للَّه، وكمن له حتى إذا أقبل وثب إليه فضرب خرطومه بالسّيف؛ فرمى به، ثم شدّ عليه الفيل فقتله، ثم استدار فطحن الأعاجم وانهزموا، فقال أبو محجن الثّقفيّ يرثي أبا عبيد:
  أنّى تسدّت(٣) نحونا أمّ يوسف ... ومن دون مسراها فياف مجاهل
  إلى فتية بالطَّفّ نيلت(٤) سراتهم ... وغودر أفراس لهم ورواحل
  وأضحى أبو جبر خلاء بيوته ... وقد كان يغشاها الضّعاف الأرامل
  وأضحى بنو عمرو لدى الجسر منهم ... إلى جانب الأبيات جود ونائل
  وما لمت نفسي فيهم غير أنّها ... لها أجل لم يأتها وهو عاجل
  وما رمت حتى خرّقوا بسلاحهم ... إهابي وجادت بالدّماء الأباجل(٥)
(١) بهرجتني: أهدرتني بإسقاط الحد عني (اللسان).
(٢) الخود: المرأة الشابة. والغنج: الدلال. وفي س، ف: «فيها إذا رفعت في صوتها غنج».
(٣) تسدت نحونا: جازت.
(٤) ف: «حلت سراتهم».
(٥) رمت: فارقت وبرحت. والإهاب: الجلد. والأباجل: جمع أبجل وهو عرق غليظ في الرجل أو في اليد بإزاء الأكحل.