كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب مسلم بن الوليد وأخباره

صفحة 32 - الجزء 19

  قصة راويته الَّذي أرسله إلى داود بن يزيد المهلبي

  نسخت من كتاب جدّي يحيى بن محمد بن ثوابة: حدّثني الحسن بن سعيد، عن أبيه، قال:

  كان داود بن يزيد بن حاتم المهلَّبيّ يجلس للشّعراء في السّنة مجلسا واحدا فيقصدونه لذلك اليوم وينشدونه، فوجّه إليه مسلم بن الوليد راويته بشعره الَّذي يقول فيه:

  جعلته حيث ترتاب الرّياح به ... وتحسد الطَّير فيه أضبع البيد⁣(⁣١)

  فقدم عليه يوم جلوسه للشّعراء، ولحقه بعقب خروجهم عنه، فتقدّم إلى الحاجب وحسر لثامه عن وجهه ثم قال له: استأذن لي على الأمير. قال: ومن أنت؟ قال: شاعر. قال: قد انصرم وقتك، وانصرف الشّعراء، وهو على القيام. فقال له: ويحك / قد وفدت على الأمير بشعر ما قالت العرب مثله. قال: وكان مع الحاجب أدب يفهم به ما يسمع، فقال: هات حتى أسمع، فإن كان الأمر كما ذكرت أوصلتك إليه. فأنشده بعض القصيدة، فسمع شيئا يقصر الوصف عنه، فدخل على داود فقال له: قد قدم على الأمير شاعر بشعر ما قيل فيه مثله، فقال: أدخل قائله.

  فأدخله، فلمّا مثل بين يديه سلَّم وقال: قدمت على الأمير - أعزّه اللَّه - بمدح يسمعه فيعلم به تقدّمي على غيري ممّن امتدحه. فقال: هات. فلما افتتح القصيدة وقال:

  لا تدع بي الشّوق إني غير معمود ... نهى النّهى عن هوى البيض الرّعاديد⁣(⁣٢)

  استوى جالسا وأطرق، حتى أتى الرّجل على آخر الشّعر، ثم رفع رأسه إليه ثم قال: أهذا شعرك؟ قال: نعم أعزّ اللَّه الأمير، قال: في كم قلته يا فتى؟ قال: في أربعة أشهر، أبقاك اللَّه، قال: لو قلته في ثمانية أشهر لكنت محسنا، وقد اتّهمتك لجودة شعرك وخمول ذكرك، فإن كنت قائل هذا الشّعر فقد أنظرتك أربعة أشهر في مثله، وأمرت بالإجراء عليك، فإن جئتنا بمثل هذا الشّعر وهبت لك مائة ألف درهم وإلا حرمتك. فقال: أو الإقالة، أعزّ اللَّه الأمير. قال: أقلتك، قال: الشّعر لمسلم بن الوليد، وأنا راويته والوافد عليك بشعره. فقال:⁣(⁣٣) أنا ابن حاتم⁣(⁣٣)، إنّك لمّا افتتحت شعره فقلت:

  لا تدع بي الشّوق إنّي غير معمود

  سمعت كلام مسلم يناديني فأجبت نداءه واستويت جالسا. ثم قال: يا غلام، أعطه عشرة آلاف درهم، واحمل السّاعة إلى مسلم مائة ألف درهم.

  أنشد الفضل بن سهل شعرا فولاه البريد بجرجان

  أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني مسعود بن عيسى العبديّ، قال: أخبرني موسى بن عبد اللَّه التّميميّ، قال:

  دخل مسلم بن الوليد الأنصاريّ على الفضل بن سهل لينشده شعرا، فقال له: أيّها الكهل، إنّي أجلَّك عن الشّعر فسل حاجتك، قال: بل تسّتتمّ اليد عندي بأن تسمع، فأنشده:


(١) في مي، مج: «أسبع» بدل: «أضبع».

(٢) في الديوان - ١٥١:

«نهى النهي عن هوى الهيف الرعاديد»

(٣ - ٣) التكملة من ما، ساقطة من مي، مج.