كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب مسلم بن الوليد وأخباره

صفحة 35 - الجزء 19

  قال: فما دخل أذني كلام قطَّ أحلى من كلامها، ولا رأيت أنضر وجها منها، فعدلت بها عن ذلك الشعر⁣(⁣١) وقلت:

  أترى الزّمان يسرّنا بتلاق ... ويضمّ مشتاقا إلى مشتاق

  فأجابتني بسرعة فقالت:

  ما للزّمان وللتّحكَّم بيننا ... أنت الزّمان فسرّنا بتلاق

  قال: فمضيت أمامها أؤمّ بها دار مسلم بن الوليد وهي تتبعني، فصرت إلى منزله، فصادفته على عسرة، فدفع إليّ منديلا وقال: اذهب فبعه، وخذ لنا ما نحتاج إليه وعد؛ فمضيت مسرعا. فلما رجعت وجدت مسلما قد خلا بها في سرداب، فلما أحسّ بي وثب إليّ وقال: عرّفك اللَّه يا أبا عليّ جميل ما فعلت، ولقّاك ثوابه، وجعله أحسن حسنة لك، فغاظني قوله وطنزه⁣(⁣٢)، وجعلت أفكَّر أيّ شيء أعمل به، فقال: بحياتي يا أبا عليّ أخبرني من الَّذي يقول:

  بتّ في درعها وبات رفيقي ... جنب القلب طاهر الأطراف

  / فقلت:

  من له في حر امّه ألف قرن ... قد أنافت على علوّ مناف!

  وجعلت أشتمه وأثب⁣(⁣٣) عليه، فقال لي: يا أحمق، منزلي دخلت، ومنديلي بعت، ودراهمي أنفقت، على من تحرد أنت؟ وأيّ شيء سبب حردك يا قوّاد؟ فقلت له: مهما كذبت عليّ فيه من شيء فما كذبت في الحمق والقيادة.

  هجاؤه ثلاثة كانوا يصلونه أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه والعنزيّ، عن محمد بن عبد اللَّه العبديّ، قال:

  هجا مسلم بن الوليد سعيد بن سلم ويزيد بن مزيد وخزيمة بن خازم فقال:

  ديونك لا يقضى الزّمان غريمها ... وبخلك بخل الباهليّ سعيد

  سعيد بن سلم أبخل⁣(⁣٤) النّاس كلَّهم ... وما قومه من بخله ببعيد

  يزيد له فضل ولكنّ مزيدا ... تدارك فينا بخله بيزيد⁣(⁣٥)

  خزيمة لا عيب له⁣(⁣٦) غير أنه ... لمطبخه قفل وباب حديد

  هجاؤه سعيد بن سلم أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة، قال: حدّثنا الأصمعيّ، قال:

  قال لي سعيد بن سلم: قدمت عليّ امرأة من باهلة من اليمامة، فمدحتني بأبيات، ما تمّ سروي بها حتى


(١) في ما: «الوجه».

(٢) طنزه: سخريته وتهكمه.

(٣) ف: «وأبث عليه».

(٤) في الديوان - ٢٧١:

«سعيد بن سلم ألأم الناس كلهم»

(٥) في الديوان - ٢٧١:

«تدارك أقصى مجده بيزيد»

(٦) في الديوان - ٢٧١:

«خزيمة لا بأس به غير أنه»