نسب مسلم بن الوليد وأخباره
  قال: فما دخل أذني كلام قطَّ أحلى من كلامها، ولا رأيت أنضر وجها منها، فعدلت بها عن ذلك الشعر(١) وقلت:
  أترى الزّمان يسرّنا بتلاق ... ويضمّ مشتاقا إلى مشتاق
  فأجابتني بسرعة فقالت:
  ما للزّمان وللتّحكَّم بيننا ... أنت الزّمان فسرّنا بتلاق
  قال: فمضيت أمامها أؤمّ بها دار مسلم بن الوليد وهي تتبعني، فصرت إلى منزله، فصادفته على عسرة، فدفع إليّ منديلا وقال: اذهب فبعه، وخذ لنا ما نحتاج إليه وعد؛ فمضيت مسرعا. فلما رجعت وجدت مسلما قد خلا بها في سرداب، فلما أحسّ بي وثب إليّ وقال: عرّفك اللَّه يا أبا عليّ جميل ما فعلت، ولقّاك ثوابه، وجعله أحسن حسنة لك، فغاظني قوله وطنزه(٢)، وجعلت أفكَّر أيّ شيء أعمل به، فقال: بحياتي يا أبا عليّ أخبرني من الَّذي يقول:
  بتّ في درعها وبات رفيقي ... جنب القلب طاهر الأطراف
  / فقلت:
  من له في حر امّه ألف قرن ... قد أنافت على علوّ مناف!
  وجعلت أشتمه وأثب(٣) عليه، فقال لي: يا أحمق، منزلي دخلت، ومنديلي بعت، ودراهمي أنفقت، على من تحرد أنت؟ وأيّ شيء سبب حردك يا قوّاد؟ فقلت له: مهما كذبت عليّ فيه من شيء فما كذبت في الحمق والقيادة.
  هجاؤه ثلاثة كانوا يصلونه أخبرني الحسن بن عليّ، قال: حدّثني ابن مهرويه والعنزيّ، عن محمد بن عبد اللَّه العبديّ، قال:
  هجا مسلم بن الوليد سعيد بن سلم ويزيد بن مزيد وخزيمة بن خازم فقال:
  ديونك لا يقضى الزّمان غريمها ... وبخلك بخل الباهليّ سعيد
  سعيد بن سلم أبخل(٤) النّاس كلَّهم ... وما قومه من بخله ببعيد
  يزيد له فضل ولكنّ مزيدا ... تدارك فينا بخله بيزيد(٥)
  خزيمة لا عيب له(٦) غير أنه ... لمطبخه قفل وباب حديد
  هجاؤه سعيد بن سلم أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدّثنا عيسى بن إسماعيل تينة، قال: حدّثنا الأصمعيّ، قال:
  قال لي سعيد بن سلم: قدمت عليّ امرأة من باهلة من اليمامة، فمدحتني بأبيات، ما تمّ سروي بها حتى
(١) في ما: «الوجه».
(٢) طنزه: سخريته وتهكمه.
(٣) ف: «وأبث عليه».
(٤) في الديوان - ٢٧١:
«سعيد بن سلم ألأم الناس كلهم»
(٥) في الديوان - ٢٧١:
«تدارك أقصى مجده بيزيد»
(٦) في الديوان - ٢٧١:
«خزيمة لا بأس به غير أنه»