كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب مسلم بن الوليد وأخباره

صفحة 42 - الجزء 19

  وقلت لنفس قادها الشّوق نحوه ... فعوّضها منه اللَّقاء صدودا⁣(⁣١)

  هبيه امرأ قد كان أصفاك ودّه ... ومات وإلا فاحسبيه يزيدا

  لعمري لقد ولَّى فلم ألق بعده ... وفاء لذي عهد يعدّ حميدا

  مدح الفضل بن يحيى فأجزل له العطاء ووهبه جارية أعجبته بعد أن قال فيها شعرا

  أخبرني حبيب بن نصر، قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود، قال:

  / دخل مسلم بن الوليد يوما على الفضل بن يحيى، وقد كان أتاه خبر مسيره، فجلس للشّعراء فمدحوه وأثابهم، ونظر في حوائج النّاس فقضاها، وتفرّق النّاس عنه، وجلس للشّرب، ومسلم غير حاضر لذلك، وإنّما بلغه حين انقضى المجلس، فجاءه فأدخل إليه فاستأذن في الإنشاد، فأذن له، فأنشده قوله فيه:

  أتتك المطايا تهتدي بمطيّة ... عليها فتى كالنّصل مؤنسه النّصل

  يقول فيها:

  وردت⁣(⁣٢) رواق الفضل آمل فضله ... فحطَّ الثّناء الجزل نائله الجزل

  فتى ترتعي الآمال مزنة جوده⁣(⁣٣) ... إذا كان مرعاها الأمانيّ والمطل

  تساقط يمناه النّدى وشماله الرّدى وعيون القول منطقه الفصل

  ألحّ على الأيام يفري خطوبها ... على منهج ألفي أباه به قبل

  أناف به العلياء يحيى وخالد ... فليس له مثل ولا لهما مثل

  فروع أصابت مغرسا متمكَّنا ... وأصلا فطابت حيث وجّهها الأصل⁣(⁣٤)

  بكفّ أبي العبّاس يستمطر الغنى ... وتستنزل النّعمى ويسترعف النّصل

  قال: فطرب الفضل طربا شديدا، وأمر بأن تعدّ الأبيات، فعدّت فكانت ثمانين بيتا فأمر له بثمانين ألف درهم، وقال: لولا أنّها أكثر ما وصل به الشّعراء لزدتك، ولكنّه شأو لا يمكنني أن أتجاوزه - يعني أنّ الرشيد رسمه لمروان بن أبي / حفصة - وأمره بالجلوس معه والمقام عنده لمنادمته، فأقام عنده، وشرب معه، وكان على رأس الفضل وصيفة تسقيه كأنها لؤلؤة، فلمح الفضل مسلما ينظر إليها، فقال: قد - وحياتي يا أبا الوليد - أعجبتك، فقل فيها أبياتا حتى أهبها لك، فقال:

  إن كنت تسقين غير الرّاح فاسقيني ... كأسا ألذّ بها من فيك تشفيني

  عيناك راحي، وريحاني حديثك لي، ... ولون خدّيك لون الورد يكفيني

  إذا نهاني عن شرب الطَّلا حرج ... فخمر عينيك يغنيني ويجزيني


(١) في الديوان - ٣١٠:

«فعوضها حب اللقاء صدودا»

(٢) في الديوان - ٢٦٣:

«وردن رواق الفضل فضل ابن جعفر»

(٣) في ما: «فضله». وفي المختار:

«الأماني والبطل»

(٤) في ما: «فطالت». وفي الديوان - ٢٦٤:

فروع تلقتها المغارس فاعتلى ... بها عاطفا أعناقها قصده الأصل