كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب مسلم بن الوليد وأخباره

صفحة 45 - الجزء 19

  لما هجا ابن قنبر مسلم بن الوليد أمسك عنه مسلم بعد أن أشلى⁣(⁣١) عليه لسانه قال: فجاءه عمّ له فقال له:

  يا هذا الرجل، إنك عند الناس فوق ابن قنبر في عمود الشعر، وقد بعث⁣(⁣٢) عليك لسانه ثم أمسكت عنه، فإما أن قارعته أو سالمته. فقال له مسلم: إن لنا شيخا وله مسجد يتهجّد فيه، وله بين ذلك دعوات يدعو بهنّ، ونحن نسأله أن يجعله من بعض دعواته، فإنا نكفاه، فأطرق الرجل ساعة ثم قال:

  غلب ابن قنبر واللئيم مغلَّب ... لما اتّقيت هجاءه بدعاء

  ما زال يقذف بالهجاء ولذعه ... حتى اتّقوه بدعوة الآباء!

  قال: فقال له مسلم: واللَّه ما كان ابن قنبر يبلغ مني هذا كلَّه، فأمسك لسانك عني، وتعرّف خبره بعد هذا.

  قال: فبعث - واللَّه - عليه من لسان مسلم ما أسكته. هكذا جاء في الأخبار.

  وقد حدّثني بخبر مناقضته ابن قنبر جماعة ذكروا قصائدهما جميعا، فوجدت في الشعر الفضل لابن قنبر عليه، لأن له عدة قصائد لا نقائض لها، يذكر فيها تعريده⁣(⁣٣) عن الجواب، وقصائد يذكر فيها أنّ مسلما فخر على قريش وعلى النبي ورماه بأشياء تبيح دمه، فكفّ مسلم عن مناقضته خوفا منها، وجحد أشياء كان قالها فيه.

  فمن أخبرني بذلك هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال:

  حدّثني عبد اللَّه بن عمرو بن أبي سعد قال: حدّثني محمد بن عبد اللَّه بن الوليد مولى الأنصار، وكان عالما بشعر مسلم بن الوليد وأخباره، قال:

  سبب المهاجاة بينه وبين ابن قنبر

  كان سبب المهاجاة بين مسلم بن الوليد والحكم بن قنبر أنّ الطَّرمّاح بن حكيم قد كان هجا بني تميم بقصيدته الَّتي يقول فيها:

  لا عزّ نصر امرئ أضحى له فرس ... على تميم يريد النصر من أحد

  إذا دعا بشعار الأزد نفّرهم ... كما ينفّر صوت الليث بالنّقد

  لو حان ورد تميم ثم قيل لهم: ... حوض الرسول عليه الأزد، لم ترد

  أو أنزل اللَّه وحيا أن يعذّبها ... إن لم تعد لقتال الأزد، لم تعد

  وهي قصيدة طويلة، وكان الفرزدق أجاب الطَّرماح عنها، ثم إن ابن قنبر المازنيّ قال بعد خبر طويل يرد على الطَّرمّاح:

  يا عاويا هاج ليثا بالعواء له ... شئن البراثن ورد اللون ذا لبد⁣(⁣٤)

  أيّ الموارد هابت جمّ غمرته ... بنو تميم على حال فلم ترد

  ألم ترد يوم قندابيل معلمة ... بالخيل تضبر نحو الأزد كالأسد⁣(⁣٥)


(١) أشلى لسانه: أطلقه.

(٢) في مي: «بعثت».

(٣) تعريده: هربه.

(٤) في مي: «ذا اللبد».

(٥) قندابيل: مدينة بالسند. وفي ف: «قتل أبيك» بدل: «قندابيل» وضيرت القرس: جمعت قوائمها ووثبت.