أخبار مزاحم ونسبه
  أنشدني حماد عن أبيه لمزاحم العقيليّ قال - وكان يستجيدها ويستحسنها -:
  لصفراء في قلبي من الحبّ شعبة ... حمى لم تبحه الغانيات صميم(١)
  بها حلّ بيت الحبّ ثم ابتنى بها ... فبانت بيوت الحيّ وهو مقيم
  بكت دارهم من نأيهم فتهلَّلت ... دموعي فأيّ الجازعين ألوم!
  أمستعبرا يبكي من الحزن والجوى ... أم آخر يبكي شجوه فيهيم؟
  تضمّنه من حبّ صفراء بعد ما ... سلا هيضات الحب فهو كليم(٢)
  ومن يتهيّض(٣) حبّهن فؤاده ... يمت أو يعش ما عاش وهو سقيم
  كحرّان صاد ذيد عن برد مشرب ... وعن بللات الرّيق(٤) فهو يحوم
  منعه عمه من زواجه بابنته لفقره
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا أبو سعيد السّكَّري، قال: أخبرنا محمد بن حبيب، عن ابن أبي الدّنيا العقيليّ - قال ابن حبيب: وهو صاحب الكسائيّ وأصحابنا - قال:
  كان مزاحم العقيليّ خطب ابنة عم له دنية(٥) فمنعه أهلها لإملاقه وقلة ماله، وانتظروا / بها / رجلا موسرا في قومها كان يذكرها ولم يحقق، وهو يومئذ غائب. فبلغ ذلك مزاحما من فعلهم، فقال لعمّه: يا عمّ، أتقطع رحمي وتختار عليّ غيري لفضل أباعر تحوزها وطفيف من الحظ تحظى به! وقد علمت أني أقرب إليك من خاطبها الَّذي تريده، وأفصح منه لسانا، وأجود كفّا، وأمنع جانبا، وأغنى عن العشيرة! فقال له: لا عليك فإنها إليك صائرة، وإنما أعلَّل أمّها بهذا، ثم يكون أمرها لك، فوثق به.
  تزوجت ابنة عمه في غيابه فقال فيها شعرا
  وأقاموا مدة، ثم ارتحلوا ومزاحم غائب، وعاد الرجل الخاطب لها فذاكروه(٦) أمرها، فرغب فيها، فأنكحوه إياها، فبلغ ذلك مزاحما فأنشأ يقول:
  نزلت بمفضى سيل حرسين والضّحى ... يسيل بأطراف المخارم آلها(٧)
  بمسقيّة الأجفان أنفد دمعها ... مقاربة الألَّاف ثمّ زيالها(٨)
  فلما نهاها اليأس أن تؤنس الحمى ... حمى البئر جلَّى عبرة العين جالها(٩)
(١) ب: «سموم». وفي مي، مد: «جموم». وفي ب:
«لم تبحه الغانيات سموم»
(٢) ب: «فهو كظيم». والهيضات جمع هيضة، وهي معاودة الهم والحزن.
(٣) تهيضه الغرام: عاوده مرة بعد أخرى.
(٤) مي: «نهلات الريق».
(٥) ابنة عم له دنية أي، لاصقة النسب.
(٦) ب: «فذكروا».
(٧) حرس: من مياه بني عقيل بنجد. والمخارم: الطرق في الغليظ من الأرض. وفي مي، مد، ف: «نظرت» بدل: «نزلت». وفي ب:
«يسير بأيام المخارم»
(٨) ف: «مفارقة الألاف».
(٩) مي، ف:
«حمى البين جلى عبرة البين جالها»