كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بكر بن النطاح ونسبه

صفحة 79 - الجزء 19

  يا عين جودي بالدّموع السّجام ... على الأمير اليمنيّ الهمام

  على فتى الدّنيا وصنديدها ... وفارس الدّين وسيف الإمام

  لا تدخري الدمع على هالك ... أيتم إذ أودى جميع الأنام

  طاب ثرى حلوان إذ ضمّنت ... عظامه، سقيا لها من عظام

  أغلقت الخيرات أبوابها ... وامتنعت بعدك يا بن الكرام

  وأصبحت خيلك بعد الوجا ... والغزو تشكو منك طول الجمام

  ارحل بنا نقرب إلى مالك ... كيما نحيّي قبره بالسّلام

  كان لأهل الأرض في كفّه ... غنى عن البحر وصوب الغمام

  وكان في الصّبح كشمس الضّحى ... وكان في الليل كبدر الظَّلام⁣(⁣١)

  وسائل يعجب من موته ... وقد رآه وهو صعب المرام

  / قلت له عهدي به معلما ... يضربهم عند ارتفاع القتام

  والحرب من طاولها⁣(⁣٢) لم يكد ... يفلت من وقع صقيل حسام

  لم ينظر الدّهر لنا إذ عدا ... على ربيع النّاس في كل عام

  لن يستقيلوا أبدا فقده ... ما هيّج الشّجو دعاء الحمام

  قال: وقال أيضا يرثيه:

  أيّ امرئ خضب الخوارج ثوبه⁣(⁣٣) ... بدم عشيّة راح من حلوان

  يا حفرة ضمّت محاسن مالك ... ما فيك من كرم ومن إحسان

  لهفي على البطل المعرّض خدّه ... وجبينه لأسنة الفرسان

  خرق الكتيبة معلما متكنّبا⁣(⁣٩) ... والمرهفات عليه كالنّيران

  ذهبت بشاشة كلّ شيء بعده ... فالأرض موحشة بلا عمران

  هدم الشّراة غداة مصرع مالك ... شرف العلا ومكارم البنيان

  قتلوا فتى العرب الَّذي كانت به ... تقوى على اللَّزبات⁣(⁣٤) في الأزمان

  حرموا معدّا ما لديه وأوقعوا ... عصبيّة في قلب كلّ يماني

  تركوه في رهج العجاج كأنه⁣(⁣٥) ... أسد يصول بساعد وبنان

  هوت الجدود عن السّعود لفقده ... وتمسّكت بالنّحس والدّبران

  / لا يبعدنّ أخو خزاعة إذ ثوى ... مستشهدا في طاعة الرّحمن

  / عزّ الغواة به وذلَّت أمة ... محبوّة بحقائق الإيمان


(١) في المختار:

«وكان بالليل كبدر التمام»

(٢) مي: «حاولها».

(٣) ف: «تربه».

(٤) ف، المختار: «الأزمات». والمزبات جمع: لزبة، وهي الشدة أو القحط.

(٥) المختار: «تركوه في رهج الغبار كأنه» والرهج: الغبار أو ما أثير منه. والعجاج: الغبار.