كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

مقتل مصعب بن الزبير

صفحة 85 - الجزء 19

  البصرة وقالوا: عدوّنا مطلّ علينا - يعنون الخوارج - فأرسل إليهم بالمهلَّب وهو بالموصل، وكان عامله عليها، فولَّاه قتال الخوارج، وخرج مصعب فقال بعض الشعراء:

  أكلّ عام لك باجميرا ... تغزو بنا ولا تفيد خيرا⁣(⁣١)

  القتال بينه وبين عبد الملك

  قال: وكان مصعب كثيرا ما يخرج إلى باجميرا يريد الشام ثم يرجع، فأقبل عبد الملك حتى نزل الأخنونيّة⁣(⁣٢) ونزل مصعب بمسكن إلى جنب أوانا⁣(⁣٣) وخندق خندقا ثم تحوّل ونزل دير الجاثليق وهو بمسكن، وبين العسكرين ثلاثة فراسخ - ويقال فرسخان - فقدّم عبد الملك محمدا وبشرا أخويه وكلّ واحد منهما على جيش والأمير محمد، وقدّم مصعب إبراهيم بن الأشتر، ثم كتب عبد الملك إلى أشراف أهل الكوفة والبصرة، يدعوهم إلى نفسه ويمينهم، فأجابوه وشرطوا عليه شروطا، وسألوه ولايات، وسأله ولاية أصبهان أربعون رجلا منهم، فقال عبد الملك لمن حضره: ويحكم! ما أصبهان هذه! تعجّبا ممن يطلبها⁣(⁣٤)، وكتب إلى إبراهيم بن الأشتر: لك ولاية ما سقى الفرات إن تبعتني، فجاء إبراهيم بالكتاب إلى مصعب فقال: هذا كتاب عبد الملك، ولم يخصصني بهذا دون غيري من نظرائي، ثم قال: فأطعني فيهم، قال: أصنع ماذا؟ قال: تدعوهم / فتضرب أعناقهم. قال: أقتلهم على ظن ظننته! قال: فأوقرهم حديدا وابعث بهم إلى أرض المدائن⁣(⁣٥) حتى تنقضي الحرب، قال: إذا تفسد قلوب عشائرهم، ويقول الناس: عبث مصعب بأصحابه. قال: فإن لم تفعل فلا تمدّني بهم فإنهم كالمومسة تريد كل يوم خليلا، وهم يريدون كل يوم أميرا.

  أرسل عبد الملك إلى مصعب رجلا يدعوه إلى أن يجعل الأمر شورى في الخلافة، فأبى مصعب، فقدّم عبد الملك أخاه محمدا ثم قال: اللهم انصر محمدا - ثلاثا - ثم قال: اللهم انصر أصلحنا وخيرنا لهذه الأمة. قال:

  وقدّم مصعب إبراهيم بن الأشتر، فالتقت المقدمتان وبين عسكر مصعب وعسكر ابن الأشتر فرسخ، ودنا عبد الملك حتى قرب من عسكر محمد، فتناوشوا، فقتل رجل على مقدمة محمد / يقال له فراس، وقتل صاحب لواء بشر وكان يقال له أسيد، فأرسل محمد إلى عبد الملك أنّ بشرا قد ضيّع لواءه. فصرف⁣(⁣٦) عبد الملك الأمر كله إلى محمد، وكفّ الناس وتواقفوا، وجعل أصحاب ابن الأشتر يهمّون بالحرب ومحمد بن مروان يكف أصحابه، فأرسل عبد الملك إلى محمد: ناجزهم، فأبى، فأوفد⁣(⁣٧) إليه رسولا آخر وشتمه، فأمر محمد رجلا فقال له: قف خلفي في ناس من أصحابك فلا تدعنّ أحدا يأتيني من قبل عبد الملك، وكان قد دبّر تدبيرا سديدا في تأخير المناجزة إلى وقت رآه، فكره أن يفسد عبد الملك تدبيره عليه، فوجّه إليه عبد الملك عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، فلما رأوه أرسلوه إلى محمد بن مروان: هذا عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، فقال: ردّوه بأشد ممّا رددتم من جاء قبله، فلما قرب المساء أمر


(١) باجميرا: موضع في أرض الموصل. ذكره ياقوت في ١: ٤٥٤، وأورد البيت وعزاه لأبي جهم الكناني.

(٢) في معجم البلدان: الأخنونية: موضع من أعمال بغداد.

(٣) في معجم البلدان: أوانا: بليدة كثيرة البساتين والشجر نزهة، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.

(٤) ف: «تعجبا من كثرة من يطلبها».

(٥) الطبري ٧: ١٨٥: ط الحسينية: «أبيض كسرى». وفي ف: «أبيض المدائن».

(٦) ف: «فصيّر عبد الملك الأمر كله إلى محمد».

(٧) ف: «فرد عليه رسولا آخر».