كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

مقتل مصعب بن الزبير

صفحة 86 - الجزء 19

  محمد بن مروان أصحابه بالحرب، وقال: حرّكوهم قليلا، فتهايج الناس، ووجه مصعب عتّاب⁣(⁣١) بن ورقاء الرّياحيّ يعجّز إبراهيم، فقال له: قد قلت له: لا تمدّني بأحد من أهل العراق فلم يقبل، واقتتلوا، وأرسل / إبراهيم بن الأشتر إلى أصحابه - بحضرة الرسول ليرى خلاف أهل العراق عليه في رأيه - ألا تنصرفوا عن الحرب حتى ينصرف أهل الشام عنكم، فقالوا: ولم لا ننصرف؟ فانصرفوا وانهزم الناس حتى أتوا مصعبا. وصبر إبراهيم بن الأشتر فقاتل حتى قتل، فلما أصبحوا أمر محمد بن مروان رجلا فقال: انطلق إلى عسكر مصعب فانظر كيف تراهم بعد قتل ابن الأشتر، قال: لا أعرف موضع عسكرهم، فقال له إبراهيم بن عديّ الكنانيّ: انطلق فإذا رأيت النخل فاجعله منك موضع سيفك، فمضى الرجل حتى أتى عسكر مصعب، ثم رجع إلى محمد فقال: رأيتهم منكسرين. وأصبح معصب فدنا منه، ودنا محمد بن مروان حتى التقوا، فترك قوم من أصحاب مصعب مصعبا وأتوا محمد بن مروان، فدنا إلى مصعب ثم ناداه: فداك أبي وأمي، إن القوم خاذلوك ولك الأمان، فأبى قبول ذلك، فدعا محمد بن مروان ابنه عيسى بن مصعب، فقال له أبوه: انظر ما يريد محمد، فدنا منه فقال له: إني لكم ناصح؛ إن القوم خاذلوكم ولك ولأبيك الأمان، وناشده. فرجع إلى أبيه فأخبره، فقال: إني أظن القوم سيفون، فإن أحببت أن تأتيهم فأتهم، فقال: واللَّه لا تتحدث نساء قريش أني خذلتك ورغبت بنفسي عنك، قال: فتقدم حتى أحتسبك، فتقدم وتقدم ناس معه فقتل وقتلوا، وترك أهل العراق مصعبا حتى بقي في سبعة. وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى، فشد عليه مصعب فقتله، ثم شد على الناس فانفرجوا، ثم رجع فقعد على مرفقة ديباج، ثم جعل يقوم عنها ويحمل على أهل الشام فيفرجون عنه، ثم يرجع فيقعد على المرفقة، حتى فعل ذلك مرارا، وأتاه عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان فدعاه إلى المبارزة، فقال له: اعزب يا كلب، وشد عليه مصعب فضربه على البيضة فهشمها وجرحه، فرجع عبيد اللَّه فعصّب رأسه، وجاء ابن أبي فروة كاتب مصعب فقال له: جعلت فداك، قد تركك القوم وعندي خيل مضمّرة فاركبها وانج بنفسك، فدفع في صدره وقال: ليس أخوك بالعبد.

  مقتل مصعب

  ورجع ابن ظبيان إلى مصعب، فحمل عليه، وزرق⁣(⁣٢) / زائدة بن قدامة مصعبا ونادى: / يا لثارات المختار! فصرعه، وقال عبيد اللَّه لغلام له⁣(⁣٣): احتزّ رأسه، فنزل فاحتز رأسه، فحمله إلى عبد الملك، فيقال: إنه لما وضعه بين يديه سجد. قال ابن ظبيان: فهمت واللَّه أن أقتله فأكون أفتك العرب، قتلت ملكين من قريش في يوم واحد، ثم وجدت نفس تنازعني إلى الحياة فأمسكت.

  قال: وقال يزيد بن الرّقاع العامليّ أخو عديّ بن الرقاع وكان شاعر أهل الشام:

  نحن قتلنا ابن الحواريّ مصعبا ... أخا أسد والمذحجيّ اليمانيا

  يعني ابن الأشتر، قال:

  ومرّت عقاب الموت منا بمسلم ... فأهوت له ظفرا⁣(⁣٤) فأصبح ثاويا


(١) ف: «ووجه مصعب إبراهيم بن عتاب بن ورقة».

(٢) زرقه: رماه بالمزراق. وفي ف: «وزرق ابن زائدة بن قدامة مصعبا».

(٣) مم: «لغلام له ديلمي».

(٤) ب، مد:

«فأهوت له طير»

وفي الطبري ٧: ١٨٧ ط الحسينية:

«فأهوت له نابا»