كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

مقتل مصعب بن الزبير

صفحة 91 - الجزء 19

  ابن قيس الرقيات يمدح مصعبا

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال: حدّثنا عمر بن شبّة، قال:

  لمّا ولي مصعب بن الزبير العراق أقرّ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عامر على سجستان وأمدّه بخيل، فقال ابن قيس الرّقيّات:

  ليت شعري أأوّل الهرج هذا ... أم زمان من فتنة غير هرج؟

  إن يعش مصعب فنحن بخير ... قد أتانا من عيشنا ما نرجّي

  أعطي النّصر والمهابة في الأعداء حتى أتوه من كل فجّ حيث لم تأت قبله خيل ذي الأكتاف يوجفن بين قفّ ومرج

  ملك يطعم الطَّعام ويسقى ... لبن البخت في عساس الخلنج

  قال الزبير: حدّثني عمّي مصعب: أن عبيد اللَّه بن قيس كان عند عبد الملك، فأقبل غلمان له معهم عساس خلنج فيها لبن البخت، فقال عبد الملك: يا بن قيس، أين هذا من عساس مصعب التي تقول فيها:

  ملك يطعم الطعام ويسقي ... لبن البخت في عساس الخلنج؟

  فقال: لا أين يا أمير المؤمنين، لو طرحت عساسك هذه في عسّ من عساس مصعب لوسعها وتغلغلت في جوفه، فضحك عبد الملك ثم قال: قاتلك اللَّه يا بن قيس، فإنك تأبى إلا كرما ووفاء.

  قصة يونس الكاتب والوليد بن يزيد

  حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن الطيب، قال: قال لي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود:

  خرج يونس الكاتب من المدينة يريد الشام بتجارة، فبلغ الوليد بن يزيد مكانه فأتته رسله وهو في الخان، وذلك في خلافة هشام، والوليد يومئذ أمير، فقالوا له: أجب الأمير، قال: فذهبت معهم، فأدخلوني عليه ولا أدري من هو إلا أنه حسن الوجه نبيل، فسلمت عليه، فأمرني بالجلوس فجلست، ودعا بالشراب والجواري، فكنّا يومنا وليلتنا في أمر عجيب، وغنيته فأعجبه غنائي، وكان ممّا أعجبه:

  ليت شعري أأوّل الهرج هذا ... أم زمان من فتنة غير هرج؟

  فلم يزل يستعيده إلى الصبح، ثم اصطبح عليه ثلاثة أيام، فقلت: أيها الأمير، أنا رجل تاجر قدمت هذا البلد في تجارة لي، وقد ضاعت، فقال: تخرج غدا غدوة وقد ربحت أكثر من تجارتك. وتمّم شربه، فلما أردت الانصراف لحقني غلام من غلمانه بثلاثة آلاف دينار، فأخذتها ومضيت، فلما أفضت الخلافة إليه أتيته، فلم أزل مقيما عنده حتى قتل.

  قال أحمد بن الطيب - وذكر مصعب الزّبيريّ - أنّ يونس قال:

  كنت أشرب مع أصحاب لي فأردت أن أبول، فقمت وجلست أبول على كثيب رمل، فخطر ببالي قول ابن قيس:

  ليت شعري أأوّل الهرج هذا