كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عويف ونسبه

صفحة 136 - الجزء 19

  فزارة تنتقم من قيس

  قال: فلما أخذوا الدّية انطلقت فزارة فاشترت خيلا وسلاحا، ثم استتبعت سائر قبائل قيس، ثم أغارت على ماء يدعى بنات قين، يجمع بطونا من بطون كلب كثيرة وأكثر من عليه بنو عبد ودّ وبنو عليم بن جناب، وعلى قيس يومئذ سعيد بن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وحلحلة⁣(⁣١) بن قيس بن الأشيم بن يسار أحد بني العشراء⁣(⁣٢)، فلما أغاروا نادوا بني عليم: إنا لا نطلبكم بشيء، وإنما نطلب بني عبد ودّ بما صنع الدّليلان اللَّذان حملا حميدا، وهما المأمور ورجل آخر اسمه أبو أيّوب، فقتل من العبديّين تسعة عشر⁣(⁣٣) رجلا، ثم مالوا على العليميّين فقتلوا منهم خمسين رجلا، وساقوا أموالا.

  موقف عبد الملك بن مروان وعرضه الدية

  فبلغ الخبر عبد الملك، فأمهل حتى إذا ولي الحجّاج العراق كتب إليه يبعث إليه سعيد بن عيينة وحلحلة بن قيس ومعهما نفر من الحرس، فلما قدم بهما عليه قذفهما في / السّجن وقال لكلب: واللَّه لئن قتلتم رجلا لأهريقنّ دماءكم، فقدم عليه من بني عبد ودّ عياض ومعاوية ابنا ورد، ونعمان بن سويد، وكان سويد أبوه ابن مالك يومئذ أشرف من قتل يوم بنات قين، وكان شيخ بني عبد ودّ، فقال / له النّعمان: دماءنا يا أمير المؤمنين، فقال له عبد الملك: إنما قتل منكم الصّبيّ الصّغير والشيخ الفاني، فقال النّعمان: قتل منا واللَّه من لو كان أخا لأبيك لاختير عليك في الخلافة، فغضب عبد الملك غضبا شديدا، فقال له معاوية وعياض: يا أمير المؤمنين، شيخ كبير موتور.

  فأعرض عنه عبد الملك وعرض الدّية، وجعل خالد بن يزيد بن معاوية ومن ولدته كلب يقولون: القتل، ومن كانت أمّه قيسيّة من بني أميّة يقولون: لا، بل الدّية كما فعل بالقوم، حتى ارتفع الكلام بينهم بالمقصورة، فأخرجهم عبد الملك ودفع حلحلة إلى بعض بني عبد ودّ، ودفع سعيد بن عيينة إلى بعض بني عليم، وأقبل عليهما عبد الملك فقال: ألم تأتياني تستعدياني فأعديتكما وأعطيتكما الدّية، ثم انطلقتما فأخفرتما ذمّتي وصنعتما ما صنعتما، فكلَّمه سعيد بكلام يستعطفه به ويرقّقه، فضرب حلحلة صدره وقال: أترى خضوعك لابن الزّرقاء نافعك عنده، فغضب عبد الملك وقال: اصبر حلحلة، فقال له: أصبر من عود بجنبيه جلَّب⁣(⁣٤) فقتلا وشقّ ذلك على قيس، وأعظمه أهل البادية منهم والحاضرة، فقال في ذلك عليّ بن الغدير الغنويّ:

  لحلحلة القتيل ولابن بدر ... وأهل دمشق أنجبة تبين

  فبعد اليوم أيّام طوال ... وبعد خمود فتنتكم فتون

  وكلّ صنيعة رصد ليوم ... تحلّ به لصاحبها الزّبون⁣(⁣٥)

  / خليفة أمّة قسرت عليه ... تخمّط⁣(⁣٦) واستخفّ بمن يدين


(١) ب: «طلحة بن قيس».

(٢) بنو العشراء: قوم من فزارة، وفي ب: «بنو العسراء»، تصحيف.

(٣) ف: «فقتل من العبديين سبعة عشر رجلا».

(٤) جلب الرحل وجلبه (بالضم والكسر) عيدانه.

(٥) ف: «تحل به لصاحبه الديون».

(٦) تخمط: تكبر.