كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن العباس الربيعي

صفحة 154 - الجزء 19

  كان مصطبحا دهره ويقول الشعر في الصبوح

  أخبرني عمّي، قال: حدّثني عبيد اللَّه بن محمد بن عبد الملك الزّيات، قال: حدّثنا نافذ مولانا، قال:

  كان عبد اللَّه بن العبّاس صديقا لأبيك، وكان يعاشره كثيرا، وكان عبد اللَّه بن العباس مصطبحا دهره لا يفوته ذلك إلَّا في يوم جمعة أو صوم شهر رمضان، وكان يكثر المدح للصّبوح ويقول الشّعر فيه، ويغنّي فيما يقوله، قال عبيد اللَّه: فأنشدني نافذ مولانا وغيره من أصحابنا في ذلك، منهم حمّاد بن إسحاق:

  صوت

  ومستطيل على الصّهباء باكرها ... في فتية باصطباح الرّاح حذّاق

  فكلّ شيء رآه خاله⁣(⁣١) قدحا ... وكلّ شخص رآه خاله⁣(⁣١) الساقي

  قال: ولحنه فيه خفيف رمل ثقيل. قال حمّاد: وكان أبي يستجيد هذا الصّوت من صنعته /، ويستحسن شعره ويعجب من قوله:

  /

  فكلّ شيء رآه خاله قدحا ... وكلّ شخص رآه خاله السّاقي

  ويعجب من قوله:

  ومستطيل على الصّهباء باكرها

  ويقول: وأيّ شيء تحته من المعاني الظريفة!.

  قال: وسمعه أبي يغنّيه فقال له: كأنّك واللَّه يا عبد اللَّه خطيب يخطب على المنبر، قال عبد اللَّه بن محمد:

  فأنشدني حمّاد له في الصّبوح:

  لا تعذلن في صبوحي ... فالعيش شرب الصّبوح

  ما عاب مصطبحا ق ... طَّ غير وغد شحيح

  قال عمّي: قال عبيد اللَّه: دخل يوما عبد اللَّه بن العبّاس الرّبيعيّ على أبي مسلَّما، فلما استقرّ به المجلس وتحادثا ساعة قال له: أنشدني شيئا من شعرك، فقال: إنما أعبث ولست ممّن يقدم عليك بإنشاد شعره، فقال:

  أتقول هذا وأنت القائل:

  يا شادنا رام إذ مرّ ... في السّعانين قتلي

  تقول لي: كيف أصبحت؟ ... كيف يصبح مثلي!

  أنت واللَّه أعزّك اللَّه أغزل الناس وأرقّهم شعرا، ولو لم تقل غير هذا البيت الواحد لكفاك ولكنت شاعرا.

  كتب شعرا في ليلة مقمرة وصنع فيه لحنا

  أخبرني عمّي والحسين بن القاسم الكوكبيّ، قالا: حدّثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: حدّثني أحمد بن الحسين الهشاميّ⁣(⁣٢) أبو عبد اللَّه، قال:


(١) التجريد: «ظنه».

(٢) ف: «الهاشمي».