كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن العباس الربيعي

صفحة 160 - الجزء 19

  واستحسنّا غناءها وخاطبناها بالاستحسان، وألحّ عبد اللَّه بن العبّاس من بيننا بالاقتراح عليها والمزاح معها والنّظر إليها، فقال له أبو عيسى: عشقتها وحياتي يا عبد اللَّه، قال: لا واللَّه / يا سيّدي وحياتك ما عشقتها، ولكني استحسنت⁣(⁣١) كلّ ما شاهدت منها من منظر وشكل وعقل وعشرة وغناء، فقال له أبو عيسى: فهذا واللَّه هو العشق وسببه، وربّ جدّ جرّه اللَّعب. وشربنا، فلما غلب النّبيذ على عبد اللَّه غنّى أهزاجا قديمة وحديثة، وغنّى فيما غنّى بينهما هزجا في شعر قاله فيها لوقته، فما فطن له إلا أبو عيسى وهو:

  صوت

  نطق السّكر بسرّي فبدا ... كم يرى المكتوم يخفى لا يضح

  سحر عينيك إذا ما رنتا ... لم يدع ذا صبوة أو يفتضح

  ملكت قلبا⁣(⁣٢) فأمسى غلقا ... عندها صبّا بها لم يسترح

  بجمال وغناء حسن ... جلّ عن أن ينتقيه المقترح

  أورث القلب هموما ولقد ... كنت مسرورا بمرآه فرح

  ولكم مغتبق همّا وقد ... بكر⁣(⁣٣) اللَّهو بكور المصطبح

  - الغناء لعبد اللَّه بن العبّاس هزج - فقال له أبو عيسى: فعلتها واللَّه يا عبد اللَّه، وطار / طربا⁣(⁣٤)، وشرب على الصّوت وقال له: صحّ واللَّه قولي لك في عساليج، وأنت تكابرني حتّى فضحك السّكر. فجحد، وقال: هذا غناء كنت أرويه، فحلف أبو عيسى أنه ما قاله ولا غنّاه إلا في يومه، وقال له: احلف بحياتي أنّ الأمر ليس هو كذلك، فلم يفعل، فقال له أبو عيسى: واللَّه لو كانت لي لوهبتها لك، ولكنها لآل يحيى بن معاذ، واللَّه لئن باعوها لأملَّكنّك إيّاها ولو بكلّ ما أملك، ووحياتي لتنصرفنّ قبلك إلى منزلك، ثم دعا بحافظتها وخادم⁣(⁣٥) من خدمه، فوجّه بها معهما إلى منزله. والتوى عبد اللَّه قليلا وتجلَّد، وجاحدنا أمره ثم انصرف.

  اشترت عمته عساليج ثم وهبتها له

  واتّصل الأمر بينهما بعد ذلك، فاشترتها عمّته رقيّة بنت الفضل بن الرّبيع من آل يحيى بن معاذ، وكانت عندهم حتى ماتت.

  فحدّثني جعفر بن قدامة بن زياد عن بعض شيوخه - سقط عني اسمه - قال: قالت بذل الكبيرة لعبد اللَّه بن العبّاس: قد بلغني أنك عشقت جارية يقال لها عساليج فاعرضها عليّ، فإمّا أن عذرتك وإمّا أن عذلتك، فوجّه إليها فحضرت، وقال لبذل: هذه هي ياستي فانظري واسمعي، ثم مريني بما شئت أطعك، فأقبلت عليه عساليج وقالت:

  يا عبد اللَّه أتشاور فيّ؟ فو اللَّه ما شاورت لمّا صاحبتك، فنعرت⁣(⁣٦) بذل وصاحت: إيه، أحسنت واللَّه يا صبيّة، ولو لم


(١) ف: «استملحت».

(٢) مي، مد، التجريد: «قلبي». وفي ف: «ملكت كفي».

(٣) ف:

«ولكم مقترح هما وقد ... باكر ... «

(٤) ف: «ونقر طربا».

(٥) ف: «ثم دعا حافظتها وخادما».

(٦) نعرت: صاحت وصوتت بخيشومها.