كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن العباس الربيعي

صفحة 164 - الجزء 19

  اشتراه يوما بعلفة يوم ... أصبحت عنده⁣(⁣١) الدواب صياما

  فاتصلت الأبيات وخبرها بحزام، فخشي أن تشتهر ويسمعها المعتصم فيأتي عليه؛ فبعث بالغلام إلى عبد اللَّه، وسأله أن يمسك عن الأبيات، ففعل.

  إبراهيم الموصلي يغني أمام الرشيد لحنا من صنعته فيرسل إليه ويلازمه

  حدّثني الصّوليّ، قال: حدّثني الحسين بن يحيى، قال: قلت لعبد اللَّه بن العبّاس: إنه بلغني لك خبر مع الرّشيد أول ما شهرت بالغناء، / فحدّثني به، قال: نعم أول صوت صنعته:

  أتاني يؤامرني في الصّبو ... ح ليلا فقلت له: غادها

  فلما تأتّى⁣(⁣٢) لي وضربت عليه بالكنكلة؛ عرضته على جارية لنا يقال لها راحة، فاستحسنته وأخذته عنّي، وكانت تختلف إلى إبراهيم الموصليّ، فسمعها يوما تغنّيه وتناغي⁣(⁣٣) به جارية من جواريه، فاستعادها إيّاه وأعادته عليه، فقال لها: لمن هذا؟ فقالت: صوت قديم، فقال لها: كذبت، لو كان قديما لعرفته، وما زال يداريها ويتغاضب عليها حتى اعترفت له بأنّه من صنعتي، فعجب من ذلك، ثم غنّاه يوما بحضرة الرشيد، فقال له: لمن هذا اللَّحن يا إبراهيم؟ فأمسك عن الجواب وخشي أن يكذبه فينمي الخبر إليه من غيره، وخاف من جدّي أن يصدقه، فقال له: ما لك / لا تجيبني؟ فقال: لا يمكنني يا أمير المؤمنين، فاستراب بالقصّة، ثم قال: واللَّه، وتربة المهديّ لئن لم تصدقني لأعاقبنّك عقوبة موجعة، وتوهّم أنّه لعليّة أو لبعض حرمه فاستطير غضبا، فلما رأى إبراهيم الجدّ منه صدقه فيما بينه وبينه سرّا، فدعا لوقته الفضل بن الرّبيع ثم قال له: أيصنع ولدك غناء ويرويه الناس ولا تعرّفني؟

  فجزع وحلف بحياته وبيعته أنه ما عرف ذلك قطَّ، ولا سمع به إلا في وقته ذلك، فقال له: ابن⁣(⁣٤) ابنك عبد اللَّه بن العبّاس أحضرنيه السّاعة، فقال: أنا أمضي وأمتحنه، فإن كان يصلح للخدمة أحضرته، وإلَّا كان أمير المؤمنين أولى من ستر عورتنا، فقال: لا بدّ من إحضاره. فجاء جدّي فأحضرني وتغيّظ عليّ، فاعتذرت وحلفت له أن هذا شيء ما تعمّدته، وإنما غنّيت لنفسي، وما أدري من أين خرج، فأمر بإحضار عود فأحضر، وأمرني فغنّيته الصوت، فقال:

  قد عظمت مصيبتي فيك يا بنيّ، فحلفت له بالطلاق والعتاق ألَّا أقبل على الغناء رفدا أبدا، ولا أغنّي إلا خليفة أو وليّ عهد، ومن لعلَّه أن يكون حاضرا مجالسهم، فطابت نفسه. فأحضرني⁣(⁣٥)، فغنّيت الرشيد الصوت فطرب وشرب عليه أقداحا، وأمرني بالملازمة مع الجلساء، وجعل لي نوبة، وأمر بحمل عشرة آلاف دينار إلى جدّي، وأمره أن يبتاع ضيعة لي بها، فابتاع لي ضيعتي بالأهواز، ولم أزل ملازما للرّشيد حتى خرج إلى خراسان، وتأخرت عنه وفرّق الموت بيننا.


(١) ف: «أصبحت غبّه».

(٢) ف: «فلما دار لي».

(٣) ف: «وتعايي».

(٤) ف: «أين ابنك عبد اللَّه بن العباس».

(٥) ف: «فأحضرت».