كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن العباس الربيعي

صفحة 165 - الجزء 19

  اقترض الواثق مالا ليعطيه له

  قال ابن المرزبان: فكان عبد اللَّه بن العبّاس سببا لمعرفة أولياء العهود برأي الخلفاء فيهم، فكان منهم الواثق، فإنه أحبّ أن يعرف: هل يولَّيه المعتصم العهد بعده أم لا، فقال له عبد اللَّه: أنا أدلَّك على وجه تعرف به ذلك، فقال: وما هو؟ فقال: تسأل أمير المؤمنين أن يأذن للجلساء والمغنّين أن يصيروا إليك، فإذا فعل ذلك فاخلع عليهم / وعليّ معهم، فإني لا أقبل خلعتك لليمين الَّتي عليّ؛ ألَّا أقبل رفدا إلا من خليفة أو وليّ عهد. فقعد الواثق ذات يوم وبعث إلى المعتصم وسأله الإذن إلى الجلساء⁣(⁣١)، فأذن لهم، فقال له عبد اللَّه بن العبّاس: قد علم أمير المؤمنين يميني، فقال له: امض إليه فإنك لا تحنث، فمضى إليه وأخبره الخبر فلم يصدّقه، وظنّ أنه يطيّب نفسه، فخلع عليه وعلى الجماعة، فلم يقبل عبد اللَّه خلعته، وكتب إلى المعتصم يشكوه، فبعث إليه: اقبل الخلعة، / فإنه وليّ عهدي، ونمى إليه الخبر أنّ هذا كان حيلة من عبد اللَّه، فنذر دمه، ثم عفا عنه.

  وسرّ الواثق بما جرى، وأمر إبراهيم بن رياح، فاقترض له ثلاثمائة ألف درهم، ففرّقها على الجلساء، ثم عرف غضب المعتصم على عبد اللَّه بن العباس واطَّراحه إيّاه، فاطَّرحه هو أيضا. فلمّا ولي الخلافة استمرّ على جفائه، فقال عبد اللَّه:

  ما لي جفيت وكنت لا أجفى ... أيام أرهب سطوة السّيف

  أدعو إلهي أن أراك خليفة ... بين المقام ومسجد الخيف

  ودسّ من غنّاه الواثق، فلما سمعه سأل عنه، فعرف قائله، فتذمّم⁣(⁣٢) ودعا عبد اللَّه فبسطه ونادمه إلى أن مات.

  وذكر العتّابيّ عن ابن الكلبيّ أنّ الواثق كان يشتهي على عبد اللَّه بن العباس:

  أيّها العاذل جهلا تلوم ... قبل أن ينجاب عنه الصّريم⁣(⁣٣)

  وأنه غنّاه يوما فأمر بأن يخلع عليه خلعة، فلم يقبلها ليمينه، فشكاه إلى المعتصم، فكاتبه في الوقت، فكتب إليه مع مسرور سمّانة: اقبل خلع⁣(⁣٤) هارون فإنك لا تحنث، فقبلها وعرف الواثق أنّه وليّ عهد.

  خرج يوم الشعانين ليرى محبوبته النصرانية

  حدّثني عمّي، قال: حدّثني أحمد بن المرزبان، قال: حدّثني شيبة بن هشام، قال:

  كان عبد اللَّه بن العبّاس يهوى جارية نصرانيّة لم يكن يصل إليها ولا يراها إلا إذا خرجت إلى البيعة، فخرجنا يوما معه إلى السّعانين، فوقف حتى إذا جاءت فرآها، ثم أنشدنا لنفسه، وغنّى فيه بعد ذلك:


(١) ف: «وسأله الإذن للجلساء».

(٢) تذمم: استنكف واستحيا.

(٣) الصريم: القطعة من الليل.

(٤) ف: «خلعة».