أخبار عبد الله بن العباس الربيعي
  / غنّيت المتوكَّل ذات يوم:
  أحبّ إلينا منك دلَّا وما يرى ... له عند فعلي من ثواب ولا أجر
  فطرب وقال: أحسنت واللَّه يا عبد اللَّه، أما واللَّه لو رآك النّاس كلَّهم كما أراك لما ذكروا مغنّيا سواك أبدا.
  أشار بذكره ابن الزيات عند المعتصم
  نسخت من كتاب لأبي العبّاس بن ثوابة بخطَّه: حدّثني أحمد بن إسماعيل بن حاتم، قال: قال لي عبد اللَّه بن العبّاس الرّبيعيّ:
  دخلت على المعتصم أودّعه / وأنا أريد الحجّ، فقبّلت يده وودّعته، فقال: يا عبد اللَّه إنّ فيك لخصالا تعجبني كثّر اللَّه في مواليّ مثلك، فقبّلت رجله والأرض بين يديه، وأحسن محمد بن عبد الملك الزّيّات محضري وقال له:
  إنّ له يا أمير المؤمنين، أدبا حسنا وشعرا جيّدا، فلما خرجت قلت له: أيّها الوزير، ما شعري أنا في الشعر تستحسنه وتشيد بذكره بين يدي الخليفة! فقال: دعنا منك، تنتفي من الشّعر وأنت الَّذي تقول:
  يا شادنا مرّ إذ را ... م في السّعانين قتلي
  يقول لي: كيف أصبح ... ت، كيف يصبح مثلي!
  أحسنت واللَّه في هذا، ولو لم تقل غير هذا لكنت شاعرا.
  طلب منه سوار بن عبد اللَّه القاضي أن يصنع له لحنا في شعر قاله
  أخبرني عمّي، قال: حدّثنا أحمد بن المرزبان، قال: قال أبي: قال عبد اللَّه بن العبّاس الرّبيعيّ:
  لقيني سوّار بن عبد اللَّه القاضي - وهو سوّار الأصغر - فأصغى إليّ وقال: إنّ لي إليك حاجة فأتني في خفي، فجئته، فقال: لي إليك حاجة قد أنست بك فيها، لأنك لي / كالولد، فإن شرطت لي كتمانها أفضيت بها إليك، فقلت: ذلك للقاضي عليّ شرط واجب، فقال: إني قلت أبياتا في جارية لي أميل إليها وقد قلتني وهجرتني:
  وأحببت أن تصنع فيها لحنا وتسمعنيه، وإن أظهرته وغنّيته بعد ألَّا يعلم أحد أنه شعري، فلست أبالي، أتفعل ذلك؟
  قلت: نعم حبّا وكرامة، فأنشدني:
  صوت
  سلبت عظامي لحمها فتركتها ... عواري في أجلادها(١) تتكسّر
  وأخليت منها مخّها فكأنّها ... أنابيب في أجوافها الرّيح تصفر
  إذا سمعت باسم الفراق ترعّدت ... مفاصلها من هول ما تتحذّر
  خذي بيدي ثم اكشفي الثوب فانظري ... بلى جسدي لكنّني أتستّر
  وليس الَّذي يجري من العين ماؤها ... ولكنّها روح تذوب فتقطر
  - اللحن الَّذي صنعه عبد اللَّه بن العبّاس في هذا الشّعر ثقيل أول - قال عبد اللَّه: فصنعت فيه لحنا، ثم عرّفته
(١) أجلاد الإنسان: تجاليده، وهي جماعة جسمه وبدنه.