أخبار أبي صدقة
  يا ويح من لعب الهوى بحياته ... فأماته من قبل حين مماته
  من ذا كذا كان الشقيّ بشهادن(١) ... هاروت بين لسانه ولهاته(٢)
  وذكر الأبيات الأربعة المتقدّم ذكرها، قال: فأجاد وأحسن ما شاء، وطرب جعفر، فقال له: أحسنت وحياتي، وكان عليه دوّاج(٣) خزّ مبطن بسمّور جيد، فلما قال له ذلك شرهت نفسه وعاد إلى طبعه، فقال:
  لو أحسنت ما كان هذا الدّوّاج عليك، ولتخلعنّه عليّ، فألقاه عليه، ثم غنّى أصواتا من القديم والحديث، وغنّى بعدها من صناعته في الرمل:
  لم يطل العهد فتنساني ... ولم أغب عنك فتنعاني
  بدّلت بي غيري وباهتّني(٤) ... ولم تكن صاحب بهتان
  لا وثقت نفسي بإنسان ... بعدك في سرّ وإعلان
  أعطيتني ما شئت من موثق ... منك ومن عهد وأيمان
  فقال له الفضل: أحسنت وحياتي! فقال: لو أحسنت لخلعت عليّ جبّة تكون شكلا لهذا الدّوّاج، فنزع جبته وخلعها عليه، وسكروا وانصرفوا. فوثب الحسن بن سليمان، فقال له: قد وافقتك على ما أرضاك، ودفعته إليك على ألا تسأل أحدا شيئا، فلم تف، / وقد أخذت مالك! واللَّه لا تركت عليك شيئا مما أخذته، ثم انتزعه منه كرها وصرفه، فشكاه أبو صدقة إلى الفضل وجعفر، فضحكا منه، وأخلفا عليه ما ارتجعه الطفيلي(٥) منه من خلعهما.
  نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الغناء
  صوت
  بان الخليط على بزل مخيّسة ... هدل المشافر أدنى سيرها الرمل
  من كل أعيس(٦) نضّاح القفا قطم(٧) ... ينفي الزمام إذا ما حنّت الإبل
  الغناء لابن عائشة، خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو الهشامي، وقال الهشامي خاصة: فيه لابن محرز هزج، ولإسحاق ثقيل أول، ووافقه ابن المكَّيّ. وما وجدت لمعبد فيه صنعة في شيء من الروايات، إلا في المذكور.
  وأما:
  بان الخليط ولو طووعت ما بانا
  فقد مضى في المائة المختارة، ونسب هناك وذكرت أخباره.
(١) الشادن: ولد الظبية.
(٢) اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق.
(٣) الدواج: اللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه.
(٤) باهتني: حيرتني وأدهشتني بما تفتري عليّ من الكذب.
(٥) ف: «اللَّطفى».
(٦) الأعيس: البعير الأبيض يخالط بياضه شقره.
(٧) القطم: الفحل يشتهي الضراب، والفعل قطم، كفرح.