كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي صدقة

صفحة 194 - الجزء 19

  يا ويح من لعب الهوى بحياته ... فأماته من قبل حين مماته

  من ذا كذا كان الشقيّ بشهادن⁣(⁣١) ... هاروت بين لسانه ولهاته⁣(⁣٢)

  وذكر الأبيات الأربعة المتقدّم ذكرها، قال: فأجاد وأحسن ما شاء، وطرب جعفر، فقال له: أحسنت وحياتي، وكان عليه دوّاج⁣(⁣٣) خزّ مبطن بسمّور جيد، فلما قال له ذلك شرهت نفسه وعاد إلى طبعه، فقال:

  لو أحسنت ما كان هذا الدّوّاج عليك، ولتخلعنّه عليّ، فألقاه عليه، ثم غنّى أصواتا من القديم والحديث، وغنّى بعدها من صناعته في الرمل:

  لم يطل العهد فتنساني ... ولم أغب عنك فتنعاني

  بدّلت بي غيري وباهتّني⁣(⁣٤) ... ولم تكن صاحب بهتان

  لا وثقت نفسي بإنسان ... بعدك في سرّ وإعلان

  أعطيتني ما شئت من موثق ... منك ومن عهد وأيمان

  فقال له الفضل: أحسنت وحياتي! فقال: لو أحسنت لخلعت عليّ جبّة تكون شكلا لهذا الدّوّاج، فنزع جبته وخلعها عليه، وسكروا وانصرفوا. فوثب الحسن بن سليمان، فقال له: قد وافقتك على ما أرضاك، ودفعته إليك على ألا تسأل أحدا شيئا، فلم تف، / وقد أخذت مالك! واللَّه لا تركت عليك شيئا مما أخذته، ثم انتزعه منه كرها وصرفه، فشكاه أبو صدقة إلى الفضل وجعفر، فضحكا منه، وأخلفا عليه ما ارتجعه الطفيلي⁣(⁣٥) منه من خلعهما.

  نسبة ما مضى في هذه الأخبار من الغناء

  صوت

  بان الخليط على بزل مخيّسة ... هدل المشافر أدنى سيرها الرمل

  من كل أعيس⁣(⁣٦) نضّاح القفا قطم⁣(⁣٧) ... ينفي الزمام إذا ما حنّت الإبل

  الغناء لابن عائشة، خفيف ثقيل أول بالوسطى عن عمرو الهشامي، وقال الهشامي خاصة: فيه لابن محرز هزج، ولإسحاق ثقيل أول، ووافقه ابن المكَّيّ. وما وجدت لمعبد فيه صنعة في شيء من الروايات، إلا في المذكور.

  وأما:

  بان الخليط ولو طووعت ما بانا

  فقد مضى في المائة المختارة، ونسب هناك وذكرت أخباره.


(١) الشادن: ولد الظبية.

(٢) اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق.

(٣) الدواج: اللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه.

(٤) باهتني: حيرتني وأدهشتني بما تفتري عليّ من الكذب.

(٥) ف: «اللَّطفى».

(٦) الأعيس: البعير الأبيض يخالط بياضه شقره.

(٧) القطم: الفحل يشتهي الضراب، والفعل قطم، كفرح.